نظام ولاية الفقيه يترنّح بين مفاوضات الوقت الضائع والخوف من الانتفاضة

في الوقت الذي يعيش فيه النظام الإيراني حالة اختناق داخلي، تتصاعد الانقسامات بين أجنحته المتصارعة، كما تعكسها يوميات الصحف الرسمية، لتفضح هشاشة هيكلية تهدد بانفجار داخلي واسع. فبينما يسعى خامنئي لاستخدام ورقة المفاوضات النووية كأداة لكسب الوقت، يتفاقم الصراع بين المتشددين والمعتدلين، ويزداد رعب النظام من احتمالات انهيار داخلي أو اندلاع انتفاضة شعبية قد تطيح به، خاصة في ظل وجود بديل ديمقراطي منظم وحاضر على الساحة الدولية.
صحيفة شرق كشفت في عددها الأخير عن محاولات التيار المتشدد السيطرة على وزارة الخارجية، محذّرة من أن هذه الخطوات قد تُفشل أي تقدم في المفاوضات النووية، ما يُعزز حالة الرعب داخل النظام من تدهور المسار الدبلوماسي. أما صحيفة اعتماد فقد تناولت استدعاء تيار “الاستقرار” لعباس عراقجي، كمؤشر على تصاعد الضغوط بين الأجنحة المتنازعة، في وقت تعاني فيه الحكومة من شلل إداري وعجز في اتخاذ القرار، وفقاً لصحيفة كيهان التي انتقدت غياب وزير للاقتصاد منذ ثلاثة أشهر.
في موازاة هذا المشهد المتأزم، تتكشّف نوايا خامنئي الحقيقية من المفاوضات مع الولايات المتحدة، حيث لا يسعى إلى اتفاق بل إلى شراء الوقت، على الأقل حتى اجتياز النصف الأول من ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وهو ما عبّر عنه النظام عبر تصريحات قادته بأن “المفاوضات هي جهاد” وليس سبيلاً إلى السلام، في إشارة إلى نيّة مبيتة للتهرب من التزامات حقيقية ومنع الوصول إلى حل دائم للملف النووي.
لكن ما يُرعب النظام أكثر من أي وقت مضى، هو البديل الديمقراطي الذي لا يُمكن تجاهله. ففي 31 أيار/مايو 2025، عُقد في باريس مؤتمر “إيران الحرة 2025″، بمشاركة واسعة من قادة سياسيين وبرلمانيين من عشرات الدول الأوروبية، حيث أعلنوا دعمهم القوي للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية برئاسة السيدة مريم رجوي، واعتبروا خطتها ذات النقاط العشر بديلاً عملياً وديمقراطياً لإنقاذ إيران والمنطقة.
وشهد المؤتمر إعلان دعم أكثر من 300 نائب برلماني من ألمانيا، وأغلبية من برلمانات دول أوروبية أخرى، إلى جانب نواب من اليمن، والنرويج، وآيسلندا، ومالطا، وهولندا، ومولدوفا، وإيرلندا. وأدانوا في كلماتهم سجل النظام الإيراني الأسود في حقوق الإنسان، لا سيما القمع الوحشي ضد النساء، والإعدامات الجماعية، ودور الحرس الثوري الإيراني في تصدير الإرهاب. كما دعوا إلى تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، ودعم الشعب الإيراني في حقه المشروع في إسقاط هذا النظام.
يُدرك خامنئي أن استمرار الأزمات الداخلية، وتفكك النظام من الداخل، يتزامن مع احتشاد المعارضة الديمقراطية في الخارج، واستعدادها لقيادة مرحلة انتقالية نحو جمهورية حرة وعلمانية. هذا الواقع يضع النظام في مأزق استراتيجي عميق: لا هو قادر على احتواء الداخل، ولا يستطيع تجاهل الدعم الدولي المتنامي للبديل الشرعي.
في ظل هذا التناقض، يبقى السؤال مفتوحاً: هل سيواصل خامنئي سياسة كسب الوقت حتى سقوط النظام من الداخل؟ أم أنّ اللحظة الحاسمة باتت أقرب مما يتخيل، في ظل تزايد الغضب الشعبي وتجذر المقاومة المنظمة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى