كروغمان كابوس ترامب: هجوم حاد بعد مقال عن الحرب الطبقية

يشنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب حملةً شرسة منذ سنوات ضدّ الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد بول كروغمان، الذي يشكّل كابوساً فعلياً للرئيس الأميركي منذ ولايته الأولى، من حيث رصد كامل تحركات ترامب الاقتصادية وتشريحها وإثبات عدم صوابيتها وخطرها. ودعا ترامب إلى فصل كروغمان ومنعه من الكتابة في صحيفة نيويورك تايمز سابقاً، ليصل اليوم إلى الدعوة لمحاكمته.
كتب ترامب على منصته “تروث سوشال”، أمس الاثنين، أنّ “بول كروغمان من صحيفة نيويورك تايمز يتنبّأ بالخراب والتشاؤم منذ نجاحي الكبير في الانتخابات عام 2016. بعبارة أخرى، كان مخطئاً لسنوات، إذ إن جميع الأسواق تسجّل مستويات قياسية جديدة، وهي الآن أعلى من أي وقت مضى. لقد ابتعد الناس عن ‘أفضل سوق في التاريخ’ بسبب هذا الأحمق المصاب بهوس ترامب. قاضوهم!”.
وكان كروغمان قد نشر، أول من أمس الأحد، مقالاً بحثياً على موقع “سابستاك” حول قانونية تعريفات ترامب وفاعليتها بعنوان “اقتصاديات سموت هاولي، الجزء الثاني”. اعتبر الاقتصادي المعروف أن الحرب التجارية التي أعلنها ترامب ما هي إلا حرب طبقية ضد أكثر من 80% من الأميركيين، بحيث تنقل الثروة من الفقراء إلى الأغنياء.
وشرح كروغمان أن الأهمية الاقتصادية الحقيقية للرسوم الجمركية، رغم أنها تستهدف الأجانب ظاهرياً، تكمن أساساً في كيفية تأثيرها على توزيع الدخل بين الأميركيين. وفي تحليله، جادل كروغمان بأن الحرب التجارية التي يشنها ترامب ينبغي النظر إليها باعتبارها جزءاً من حزمة من السياسات التي تعادل حرباً طبقية ضد الأميركيين من ذوي الدخل المتوسط والمنخفض لصالح الأثرياء، وخاصة أعلى 10% من توزيع الدخل.
ووفق التحليل، فإنه رغم أن جميع المستهلكين يدفعون ضريبة المبيعات عند شراء سلعة خاضعة لها، فإن العبء لا يتوزّع بالتساوي، ذلك لأن الأسر الأعلى دخلاً تنفق نسبة أقل من دخلها، وبالتالي تدفع نسبة أقل من الضريبة مقارنة بمن هم أدنى في السلم الاقتصادي.
ويطلق الاقتصاديون وصف “رجعية” على السياسة التي تفرض عبئاً نسبياً أكبر على ذوي الدخل المنخفض والمتوسط. وضريبة المبيعات بطبيعتها رجعية ما لم تُخفَّف بوسائل أخرى، مثل إعفاء السلع الأساسية أو إعادة توزيع إيرادات الضريبة على الشرائح الأفقر.
هذا المقال، الذي فصّل آثار سياسات الرسوم على الأميركيين، أثار غضب ترامب بشدّة، خاصة بعدما شبّه كروغمان الرسوم الجمركية للرئيس دونالد ترامب بأنها أسوأ من قانون سموت هاولي، وقد أُطلق هذا القانون في 1930 لفرض رسوم جمركية أميركية مرتفعة على الواردات، بهدف حماية المزارعين والشركات من المنافسة الأجنبية حينها، رغم اعتراض أكثر من ألف اقتصادي وقعوا عريضة ضد إقراره. إلّا أنه جرى تجاهل كل التوصيات، وكانت النتائج التي تمخّضت عن القانون كارثية، إذ رُبطت الرسوم التي فُرضت بتفاقم حدّة الكساد الكبير في الولايات المتحدة والعالم.
رد كروغمان الساخر
وبعد تعليق ترامب على “تروث سوشال”، جاء رد كروغمان بمقالة حادة وساخرة، أمس الاثنين، تحت عنوان “الاقتصاد السياسي للعجز”، قال فيه إن ترامب ومستشاره الاقتصادي ستيفن مور “دليل على مرضٍ عميقٍ في جسدنا السياسي. ولا أدري متى أو كيف سنتعافى”، وشرح أن في الأول من أغسطس/ آب الحالي أقال دونالد ترامب رئيس مكتب إحصاءات العمل بعد تقرير وظائف ضعيف، مدعياً، من دون أي دليل، أن الأرقام قد جرى التلاعب بها لإلحاق الضرر به سياسياً.
ويوم الخميس الماضي، عقد إحاطة في البيت الأبيض، برفقة الخبير الاقتصادي ستيفن مور، في محاولة لإقناع وسائل الإعلام والجمهور بأن الاقتصاد في وضع ممتاز. وسخر كروغمان من خطأ إملائي في الرسم البياني الذي عُرض في مؤتمر لرئيس الولايات المتحدة إضافة إلى “الأخطاء في الحقائق، لكن الأساس هو أن ترامب قدّم عرضاً تقديمياً عن حالة الاقتصاد برفقة ستيفن مور، الذي قد يكون آخر شخص على وجه الأرض تثق به ليخبرك بالحقيقة الاقتصادية”.
وتابع “لا أقصد أن مور يميني متطرف، مع أنه كذلك بالطبع. ولا أقصد حتى أنه مُخادع، مع أنه كذلك أيضاً. بل أقصد أنه حتى بين المُخادعين اليمينيين، يبرز مور بعجزه المرضي عن تدقيق الأرقام والحقائق. وحقيقة أن مور كان الرجل الذي يلجأ إليه اليمين في الشؤون الاقتصادية حتى قبل ترامب تخبرنا بالكثير عن الأشخاص الذين يحكمون أميركا الآن”.
وأضاف كروغمان “أعادت صحيفة كانساس سيتي ستار نشر مقال لمور، نُشر في الأصل لصحيفة إنفستورز بيزنس ديلي، استشهد فيه بمجموعة من إحصاءات التوظيف في إطار هجومٍ على شخصيتي. لاحظت إحدى كاتبات الأعمدة الدائمات في الصحيفة أن بعض أرقام مور بدت خاطئة؛ وعندما راجعتها، اتضح أن جميع أرقامه خاطئة، وفي كثير من الحالات كانت خاطئة بشكلٍ مُحيّر”. واعتبر أن الأنظمة الشمولية في السلطة تعمل دائماً على استبدال جميع المواهب من الدرجة الأولى، بغض النظر عن تعاطفهم، بأولئك المجانين والحمقى الذين لا يزال افتقارهم إلى الذكاء والإبداع هو أفضل ضمان لولائهم”.
وسبق أن وصف كروغمان سياسات ترامب الجمركية بأنّها قائمة على الغباء فيما يتعلق بكيفية توصل فريق ترامب إلى تحديد معدلات الرسوم على الدول عبر اعتماد صيغة بدائية مبنية على العجز التجاري الأميركي مع تلك الدول. واعتبر أن رسوم ترامب تُشكّل صدمةً للاقتصاد أكبر بكثير من رسوم سموت هاولي سيئة السمعة، خاصةً مع الأخذ في الاعتبار أن التجارة الدولية أصبحت الآن أكثر أهمية بثلاث مرات مما كانت عليه آنذاك.
كما كتب كروغمان مقالاً بعنوان “ترامب غبي ومتقلب وضعيف”، يشرح فيه كيف تؤدي زيادة الرسوم وكذلك خفضها فجأة إلى حالة عدم اليقين التي تشلّ الشركات وتجعلها عاجزةً عن القيام بأي التزام طويل الأجل. قد يفرض ترامب رسوماً جمركية إضافية، أو يخفضها فجأةً كما رفعها، وفق كروغمان، لكنّ مبدأ “جعل أميركا عظيمة مرة أخرى” يُناسب غرور ترامب الهشّ، ولكنّه لا ينسجم مع الواقع الاقتصادي والتجاري.
عن العربي الجديد