مختصون في القضاء والإدارة يناقشون إشكال النزاعات العقارية
تابع المشاركون في أعمال اليوم الثاني من الدورة الثانية للملتقى التكويني للقضاة وكتاب الضبط حول القوانين المتعلقة بالنزاعات العقارية والمساطر الإجرائية في المجال المدني والإداري.. محاضرتين : تناولت الأولى منهما: الملكية العقارية الخاصة في التشريع الموريتاني فيما تناولت الثانية موضوع: التحفيظ العقاري
الملكية العقارية في التشريع الموريتاني
المحاضرة الأولى: قدمها القاضي هارون ولد إيقبي وقد عرض فيها، للمعالجة الوطنية لإشكالية النفاذ للملكية العقارية وتطورها عبر العصور، معتبرا أن المشرع الوطني كرس الحقّ في النفاذ إليها بدْءًا من القانون العقاري رقم:139/1960، وصولا إلى الأمر القانوني رقم:127\1983 المتضمن تنظيم الملكية العقارية السَّاري حاليا، و الذي نصَّ في مادته الأولى على أن “الأرض ملك للأمة، ويحق لكل موريتاني، بدون أي تمييز، أن يصبح مالكا لجزء منها طبقا للقانون”.
المحاضر اعتبر أن معالجة مسألة النفاذ للملكية العقارية ظلَّت متباينة تأثُّرا بالأنماط: الثقافية، والفقهية، والاجتماعية، والسياسية ، وهو ما يتطلب من رجال القضاء والقانون قراءة متمعنة لتلك المعالجات من أجل معرفة مكامن النقض و محاولة سدِّها .
المحاضر قدم قراءة مستفيضة للمعالجات: الفقهية، والتشريعية، و الإدارية، والقضائية لإشكالية الملكية العقارية الخاصة، مستعرضا طرائق الفقهاء في تعاملهم مع هذا الإشكال قديما وحديثا..
وفي معرض حديثه عن المعالجة الإدارية اعتبر المحاضر أن عملية المنح العقاري التي باشرت الإدارة إجمالا منذ أوائل التسعينات على الأقل، لم تكن على أساس مخططات دقيقة صادرة وفق المعايير الفنية، ما أدى إلى إفراغ عملية المنح من مضمونها. وأسفر عن فوضوية وازدواجية و تكرار للاستفادة من المنح ومضاربة وهيمنة على المجال الحضري.
واعتبر المحاضر أنه مثلما فرَّطت الإدارة في شخصية المنح، تخلت كذلك عن مراقبة تنفيذ الاستغلال والاستثمار في المجال الحضري خلال المدة المحددة بدفتر الشروط تحت طائلة الانتزاع ” التلقائي أو الفوري”
وقال المحاضر: إن الإدارة تخلت عن واجباتها في حماية الأراضي، وهو ما أدى إلى أن تستشري الفوضى في المجال العقاري، وهو ما نجم عنه التهام المجال الحضري.. كما أنها لم تتجه إلى تمكين المواطنين من النفاذ للملكية العقارية بما يتيح لهم الحصول على تحفيظ عقاري من شأنه أن يحسن أوضاعهم المالية والاقتصادية.
وفي معرض حديثه عن المعالجة القضائية للملكية العقارية قال المحاضر “إن استفراد الإدارة بعملية المنح منذ البداية، فاقم الأخطاء، و حتَم اللجوء إلى القضاء”.
واعتبر المحاضر “أن واقع النزاعات العقارية المعروضة أمام القضاء وحجمها وتشعبها يوجب تأسيس قضاء عقاري متخصص خاصة في العاصمة نواكشوط لمسايرة الإصلاحات التي يقام بها حاليا والتي يرى أنها لن تؤتي أكلها إلا بمسايرة القضاة لها مواكبة للترسانة العقارية”.
المحاضر ختم بالتأكيد على أن النفاذ إلى الملكية العقارية يحتاج إلى عدة ضمانات أساسية لا تكفيها الضمانة التشريعية فحسب، بل لا بد من الضمانات الإدارية والقضائية الكفيلة بذلك.
معبرا في الوقت ذاته عن الأمل في أن يكون إصدار مدونة الحقوق العينية، و إشراف عملية التأهيل على نهايتها، ووضع مخططات عمرانية لغالبية مقاطعات البلد، سيرا في الاتجاه الصحيح المسهل للنفاذ للملكية العقارية النهائية التي لا يتجاوز عددها حاليا 34.000 سندا عقاريا، وهو رقم ضئيل..
التحفيظ العقاري
المحاضرة الثانية كانت مع المدير العام المساعد لإدارة أملاك وعقارات الدولة السيد الميمون ولد صمبارة، وقد تناول فيها موضوع التحفيظ العقاري في ضوء مدونة الحقوقية العينية والاجتهاد القضائي.
المحاضر عرض الموضوع في محاور تناولت تعريف التحفيظ العقاري و نظام و خصائص التسجيل العقاري، والمعالجات القضائية للاعتراضات وسندات ملكية الأرض.
وأكد ولد صمبارة على أن التسجيل العقاري هو عبارة عن إثبات للملكية و ليس بداية لها، مستعرضا مسطرة من عدة مراحل يمر بها هذا التسجيل ولا يمكن أن تشوبها شائب.
المحاضر عرض بشيء من الإيجاز لمدونة الحقوق العينية، متحدثا عن الملابسات التي اكتنفت إعدادها .. وعارضا لبعض جوانب الخلل التي تضمنتها .. مقترحا مراجعة المدونة وتحيينها من طرف الممارسين والقضاة والموثقين والولاة وغيرهم، على أن يصاحب ذلك إعداد مرسوم مطبق لها.
النقاشات
المشاركون نوهوا بمستوى العروض وعمقها وأهمية مضامينها عارضين لتجاربهم في التعاطي مع النزاعات العقارية، ولطبيعة الاشكالات التي يواجهونها ..
وقد أكد المشاركون أن حداثة الدولة، وغياب أسس ومنظومات وأعراف راسخة في التعامل مع الملكية العقارية والنزاعات المرتبطة بها وتعقد وتشابك المشكلات وتعدد أطرافها في هذا الصدد تضع القضاة أمام تحديات صعبة.
واعتبر المشاركون أن القضاء يقع تحت ضغط كبير من المجتمع الذي يلجأ إليه كملاذ أخير لحل مشكلاته، كما يعاني من ضعف وغياب تعاون من الإدارة.
المشاركون أجمعوا على أهمية تعميق البحث والنقاش بين مختلف المعنيين في مجال النزاعات العقارية وتضافر جهود الإدارة والقضاء للوصول إلى حلول قارة ونهائية لهذ المشكل الخطير على الأمن والسلم والسكينة الاجتماعية.