تمخض الجبل ثلاثا، ولم يلد! (1) أسئلة حائرة موجهة إلى “دفاع الطرف المدني”!

بقلم الأستاذ محمدٌ ولد إشدو

لقد تابعت باهتمام بالغ وقائع المؤتمر الصحفي الذي عقده نقيب المحامين باسم دفاع “الطرف المدني” في مكتبه، ردا على مؤتمرنا الأخير، وبغية “إنارة الرأي العام حتى تكون القضية نورا على علم ما فيها أي غبار” حسب تعبيره. وأود أن ألخص أهم ملاحظاتي حول الموضوع في أسئلة حائرة لم تجد جوابا بعدُ! وذلك إحقاقا للحق، واقتصادا للوقت، ودحضا لكثير من اللغو والفضول:
السؤال الأول: حول الأسلوب. من أغرب ما أثار انتباهي في جميع مقابلات نقيب المحامين رئيس “دفاع الطرف المدني” المتعلقة بهذه القضية؛ وخاصة تلك التي أجراها مع قناة الوطنية في 08 /10/ 020، والأخبار في 28 /01/ 022، و27 /6/ 022، هو ذلك الأسلوب المتمثل في الإصرار على مخاطبة المتلقي بلغة خشبية مفككة ومتناقضة جدا. وذلك رغم إدراكه أن القضية التي يتحدث عنها هي في منتهى الأهمية وتحظى بمتابعة واهتمام الرأي العام الوطني والدولي؛ لحد جَعَلَه يصفها هو نفسه بأنها: “ملف من نوع خاص في موريتانيا وفي العالم..”! “قضية تتعلق أساسا برئيس سابق ووزراء معه ومدراء معه متهمين باتهامات من نوع في منتهى الخطورة، وأيضا لأول مرة يحدث هذا النوع من الاتهام في المنطقة…”.
ومع ذلك، نجده في كل خرجة إعلامية يُعيد ويُكرر كَيْلَ تهم مجردة داحضة لا يقدم عليها أدنى بينة، ويعتبرها في نفس الوقت قرار إدانة قطعيا ونهائيا، لا يستطيع من وجهت إليه أن يرفع رأسه أبدا، أو يطالب بحق من حقوقه، أو يدعي أنه مظلوم! لنتدبر مثلا قوله ردا على زميلتنا اللبنانية المتميزة: “هذا النوع من التهم لا علاقة له بالسياسة. ومن يريد إعطاءه صبغة سياسية سوف يتعب نفسه، لأن لا أحد يصدقه. لأنه عندما يكون الرئيس السابق الذي يمنعه الدستور منعا مطلقا من ممارسة أي عمل خارج عن مهامه الدستورية التي تتعلق أساسا بسياسة البلاد الاقتصادية والاجتماعية، عندما تكون المسائل المتهم بها كلها تتعلق بتبييض الأموال وتسيير الشركات والحصول على مزايا متعددة وكلها من أجل الكسب الشخصي. فهذا النوع من المسائل لا يمكن تسويقه لا داخليا ولا دوليا. الناس كلهم ضده”!
قد يتساءل بعضكم ويحار: كيف يتجاهل نقيب المحامين قرينة البراءة التي هي الأصل، ولا تنتهك إلا ببينة محققة؟ وهل يتصور أن يغيب عن علمه نص المادة 13 من الدستور التي تقول: “يعتبر كل شخص بريئا حتى تثبت إدانته من قبل هيئة قضائية شرعية”؛ وقول المادة التمهيدية من قانون الإجراءات الجنائية حرفيا: “كل شخص تم اتهامه أو متابعته يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بقرار حائز على قوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية…”؟ وما ذا يفيد سرد وتكرار تهم لا بينة عليها؟
أما أنا فلي رأي آخر؛ وهو أن هذه الخرجات الإعلامية تتم بطلب وتوجيه من خلية الانقلاب على مرجعية وعهد الرئيس السابق. وهي خلية سياسية وأمنية تتولى إدارة هذا الملف. وهذه الخلية لا يعنيها في شيء توفر البينة من عدمه، ولا سلامة القانون أو المنطق أو العقل؛ بل كل همها أن يُوجَّهَ سيل مستمر من التهم بالفساد إلى الرئيس السابق من طرف جماعات معتبرة وأشخاص ذوي سمعة ومكانة ما، وأن تشهد تلك الجماعات والأفراد بـ “تبييض” انتهاك الدستور وخرق القوانين. وذلك عملا بـ”الحكمة” الگوبلزية المأثورة: “اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس”! ولم ينتبه ضحايا تلك الخلية إلى خطورة هذا الفخ، إلا بعد ابتلاعهم الطعم.. فأعرض بعضهم، وتمادى بعض! ولهذين الغرضين (توجيه التهم الباطلة صباح مساء إلى أبرياء، وتبييض انتهاك الدستور وخرق القوانين) اكتتب محامون وأساتذة قانون وقضاة وصحفيون.. وغيرهم. ولم يدرك الجميع – بسبب الغفلة والبعد عن حقائق البلاد- أن “حكمة” جوزيف گوبلز قد أطاح بها، في مجتمعنا الشاعر، سدوم الثاني منذ أمد بعيد حين قال:
وُحَديثٌ مُعــادْ افْمَقْصودْ ** امْنَيْـنْ إِتَـمّْ أَلّا يِنْعادْ
ما عادْ اعْلَ مُفادْ اِعُودْ ** ذاكْ اَلّا حَديثٌ مُعادْ!
ولهذا السبب، وقصر حبل الكذب، لم يعد يصدقهم أحد!
ولمن يريد دليلا آخرَ، هذا مثل آخرُ:
بعد فشل مؤتمر دفاع الدولة الأخير فشلا ذريعا بكل المعايير. حركت خلية الانقلاب قطعة أخرى: محامٍ وأستاذ جامعي وقائد سياسي يعيش في الغرب! قال: “إن قرار قاضي التحقيق إحالة القضية أمام محكمة مكافحة الفساد يمثل منعطفا في الإجراءات المتخذة منذ أزيد من سنة لتسليط الضوء ومحاكمة أكبر وأخطر قضية فساد في تاريخ بلادنا. مئات مليارات من أوقيتنا تبخرت أو على الأصح ذهبت إلى جيوب السيد محمد ولد عبد العزيز وجماعته، كما بينت ذلك من قبلُ لجنة التحقيق البرلمانية. لقد قامت شرطة الجرائم الاقتصادية – هي الأخرى- بتحقيقها، ثم قام قطب التحقيق المكلف بمكافحة الفساد بالسير في نفس الاتجاه حين أكد مدى ضخامة الاختلاس والنهب الذي تعرض له المال العام. إن أمر الإحالة هو بالتحديد القرار الذي على أساسه، من الآن، سوف تتم محاكمة قضية عزيز! نعم، إن أمر الإحالة نهائي لأنه يتعلق بجريمة اقتصادية! إن القضية سوف تتم محاكمتها بالطريقة التي قرر قاضي التحقيق”! (خطوط التشديد منا).
فأين هي البينة، وأين القانون، وأين الحق والمنطق والعقل في هذا التصريح؟ ذلك ما سوف نتحدث عنه في سياقه بحول الله وقوته.
يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى