قراءة في كتاب (الإبراهيمية .. ضلالة القرن)
لفضيلة الشيخ د. محمد يسري إبراهيم
يعدّ كتاب (الإبراهيمية .. ضلالة القرن) من أوائل الكتب العربية والإسلامية التي ناقشت قضية من أهم القضايا المعاصرة في تاريخ الأمة الإسلامية، ونازلة من أعظم نوازل العصر، ألا وهي نازلة ما يسمى “الديانة الإبراهيمية”.
الكتاب من تأليف فضيلة الشيخ د. محمد يسري إبراهيم، نائب رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة، وكيل جامعة المدينة العالمية بماليزيا، عضو هيئة البحوث بالمركز القومي للبحوث سابقا، وقد وقع الكتاب في مائة وعشرون صفحة من القطع المتوسط.
جاء الكتاب في مقدمة، وثمانية مباحث، وخاتمة.
وقد بيّن المؤلف -حفظه الله- في مقدمة الكتاب، سبب تأليفه لهذا الكتاب، وهو من أجل كشف شيء من ضلالات هذه النحلة المفتراة، وتلك الدعوى الضالة المضلّة المرتبطة بسلسلة من الكيد والمكر، وأن هذا الكتاب يندرج في إطار التحذير من محو الدين الحق، وطمس معالمه، وتدمير قوة المسلمين، والقضاء على مقاومتهم للمحتل، والتنبيه إلى خطر الإلحاد والإباحية والشذوذ.
وأشار المؤلف -حفظه الله- إلى أن الكتاب يمثل رسالة إنذار للمسلمين خاصة، وللعقلاء من البشر عامة.
عرض المؤلف -حفظه الله- في المبحث الأول الذي عنونه بـ (أصول الإبراهيمية وتاريخها القديم)، والذي بيّن فيه أن دعوى (الإبراهيمية) ترجع إلى فكرة الخلط بين التوحيد والوثنية، والإيمان والكفر، والإخلاص والشرك، وهي فكرة ضاربة في القِدَم.
وذكر أن تحريف الديانات وخصوصاً اليهودية والنصرانية يرجع في الحقيقة إلى تلك الفكرة الشيطانية.
واليوم يجري تنفيذ نفس الفكرة للتحريف في دين الإسلام، من خلال إعادة تعريف العقيدة الإيمانية التوحيدية للمسلمين، لتتوافق مع ملل أهل الكتاب بحجة إنهاء الخلافات الدينية، وتجاوز النزاعات الطائفية.
واستعرض المؤلف -حفظه الله- خلال هذا المبحث جانباً من دعاوى الحلول والاتحاد ووحدة الوجود التي عُرفت عبر تاريخ المسلمين، وما استجد من تلك الدعوات الآثمة في العصر الحديث، من خلال منظمات يهودية تدعو إلى الإلحاد والإباحية، وتسمّت بـ (الماسونية)، ودعت إلى وحدة الأديان الثلاثة.
كما عرض جانباً من المؤتمرات واللقاءات والمناسبات والاحتفالات المعاصرة، والتي سعت لتسويق هذا المصطلح.
في المبحث الثاني المعنون بـ (الإبراهيمية في التاريخ القريب)، بيّن المؤلف -حفظه الله- كيف أنه في مطلع التسعينيات بدأ النظر إلى فكرة ومشاريع التقارب الديني السابقة بطريقة مختلفة.
حيث استثمرت فكرة (الإبراهيمية) لتحقيق مصالح الاستعمار، حيث استعمل الاستعمار بعض شيوخ وعلماء تلك البلاد المحتلة ليخدموا وجوده، وليمكنّوا له في تلك البلاد.
وقد عبر عن هذا التوجه بمصطلح (التطبيع الديني) مع المحتل، وقد تجسدّت هذه الفكرة واقعياً بالتطبيع مع العدو الصهيوني المحتل، وآخر الصفقات التطبيعية المسماة (صفقة القرن)، واتفاقيات التطبيع السياسية (الاتفاقيات الإبراهيمية).
ثم رصد المؤلف -حفظه الله- سلسلة من الخطوات والإجراءات التي اتخذت من قبل دول ومؤسسات دولية التي حضّرت لتلك المخططات، امتدت من عام 2000 وحتى عام 2020 الذي شهد توقيع اتفاقيات التطبيع بين الكيان المحتل والإمارات والبحرين، والتي سميت (الاتفاقات الإبراهيمية).
في المبحث الثالث الذي كان عنوانه (الإبراهيمية: مصطلحات ومفاهيم)، بيّن المؤلف -حفظه الله- المصطلحات والمفاهيم التي تشكل قاعدة الفهم للإبراهيمية، فذكر أن جملة المتحدثين عن هذه المصطلحات يعودون في الأصل إلى فريقين أساسيين:
الأول: الساسة ومن ينقل كلامهم من الإعلاميين والكُتّاب.
الثاني: رجال الدين؛ سواء من المسلمين، أم من غيرهم، ومن ينقل كلامهم من الإعلاميين والمفكرين.
ورغم الاختلاف بين العبارات التي تشير إلى تلك المفاهيم والمصطلحات إلا أنها تدور حول جوهر واحد، وقد ذكر أكثر من عشرين مصطلحاً مما جرى رصده في كلام المروّجين لهذه الإبراهيمية.
ويُعدّ هذا المبحث غاية في الأهمية، حيث أنه يكشف جانباً من المفاهيم والمصطلحات، لا يُفهم منها للوهلة الأولى أنها متعلّقة بالإبراهيمية، ولا يعرف ذلك إلا من اهتم بتثقيف نفسه والاطلاع على خفايا تلك النحلة، ومن هذه المصطلحات: (الشعوب الأصلية، الدبلوماسية الروحية، الحوار الخدمي) وغيرها.
المبحث الرابع كان بعنوان (الإبراهيمية: ركائز وإجراءات)، وضّح فيه الركائز الباطلة التي تقوم عليها (الديانة الإبراهيمية) المخترعة، ولخصّها بـ:
الفلسفات والعلوم الباطنية.
عقيدة الثيوصوفية.
تنصيب مخلّص أو مسيح.
نشر عبادة الشيطان تحت ستار عبادة إله النور.
استغلال مفهوم التعددية الدينية في تطوير الدين العالمي.
توظيف الدبلوماسية الروحية في نشر الإبراهيمية.
توظيف المشتركات بين الأديان الثلاثة (اليهودية، المسيحية والإسلام).
العمل السياسي ودوره.
التدريب وبناء القيادات.
ثم بيّن المؤلف -حفظه الله- وسائل الإبراهيمية وأدواتها، وهي:
توظيف المؤسسات الدولية.
استعمال الجامعات العالمية.
تنفيذ مشروعات تنموية.
تغيير مناهج التعليم، ومقرراته الدراسية.
توظيف المؤسسات الدينية، والرموز الدينية الكبرى.
دعم المراكز والجمعيات الأهلية التي تقوم على الدبلوماسية الروحية.
تأسيس ودعم مراكز شبابية للدبلوماسية الروحية.
تأسيس ودعم انتشار الجمعيات النسائية.
دعم أفكار جديدة.
تفعيل دور السياسة العامة.
تشكيل ما يسمى بـ (اُسَرِ السلام).
إنشاء شبكات تتضمن القيادات الدينية والسياسية.
توفير موارد مالية للمشاركين في تلك الأنشطة.
تفعيل دور الإعلام في نشر هذه الأفكار.
الاستمرار بسياسة إيجاد (البيت الإبراهيمي).
تشجيع (السياحة الإبراهيمية).
إيجاد التخريجات الدينية للأفكار الإبراهيمية.
المبحث الخامس المعنون بـ (مآلات الإبراهيمية)، وقد ذكر الباحث -وفقه الله- مآلات دينية واجتماعية وسياسية واقتصادية سوف تطال البشرية عامة، ودين الإسلام وأهله -على كل صعيد- خاصة، وهي مآلات “نكدة” كما وصفها المؤلف -سلّمه الله-، ومن أبرز تلك المآلات:
تبديل دين المسلمين وفتنتهم في عقائدهم الصحيحة.
انحسار المد الدعوي الإسلامي، وتقلص رقعة الإسلام.
إبطال مقاومة المحتلين، وجهاد المغتصبين، بزعم أنهم أصبحوا إخوة في الدين!.
نزع القداسة عن القرآن الكريم، وعن مقدسات المسلمين، ومنحها -القداسة- لوثائق وكتب (الإبراهيمية) ومراكزها.
تمرير مشاريع التركيع والتطبيع في المنطقة العربية والإسلامية.
إفقار الشعوب واستغلال ثرواتها، وتحقيق مصالح الغرب في السيطرة عليها وحكمها.
وغيرها من المآلات التي بلغت بمجموعها حسب فضيلة المؤلف خمساً وعشرين مآلاً.
المبحث السادس (الحكم على ضلالة القرن) احتوى على بيان الموقف الشرعي من هذه النازلة الخطيرة، وهو ضلالة وفساد تلك النحلة الباطلة، حيث حشد لبيان ذلك أدلة شرعية من الكتاب والسنة وأقوال أئمة الإسلام، وأدلة عقلية واقعية تظافرت بطبيعة الحال مع النصوص الشرعية المحرّمة لتلك الدعوى الشيطانية.
وجاء في المبحث السابع الذي عنونه بـ (فتاوى العلماء وبيانات المجامع العلمية في الإبراهيمية)، بياناً وتوثيقاً لمواقف وفتاوى وبيانات علماء المسلمين وهيئاتهم ورابطهم واتحاداتهم العلمية، المعاصرة والشاهدة على تلك النازلة، حيث أنكروا هذه النحلة الخبيثة، وأثبتوا أنهم بحقٍ علماء الملّة لا علماء الدولة، وانحازوا لدينهم وأمتهم في وجه تلك الفتنة التي يتولّى كبرها حكّام بعض بلاد المسلمين خدمةً لأسيادهم من اليهود والصليبيين.
المبحث الثامن في بيان (سبل مقاومة الإبراهيمية)، واستعرض فيه المؤلف -حفظه الله- جوانب عديدة لمقاومة تلك الفتنة، منها ما هو جانب يتعلّق بالعلم الشرعي، وجانب اجتماعي، وآخر يتعلّق بالقضية الفلسطينية وإحيائها وما يرتبط بها من روح المقاومة والممانعة.
كما ذكر جوانب أخرى للتصدي لتلك الدعوى تتعلّق بالعمل البحثي من خلال المراكز البحثية، وأهمية الحوار بين طوائف المسلمين وما في ذلك من تعزيز لجانب وحدة الأمة واستنهاض قوتها، وأشار كذلك للاهتمام بجوانب القوة بكل أصنافها، وأهمية شباب الأمة والاهتمام بتحصينهم، وأهمية التعليم والإعلام، وغير ذلك من سبل المقاومة التي عدّها بثمانية عشر سبيلاً.
ثم ختم فضيلة المؤلف -حفظه الله وسدّده- كتابه القيّم ببيان أن مسؤولية حفظ الدين من عبث العابثين تقع على كل مسلم ومسلمة، كلٌ حسب قدرته واستطاعته.
ثم ذكر أن على العلماء وطلبة العلم والدعاة مسؤولية كبرى في التعليم، ونشر الوعي بمحكمات العقيدة والشريعة، ومدافعة شبهات أعداء الإسلام المتربصين بأهله، والإنكار على من تولّى كبر هذه المنكرات من ولاة الأمر.
ثم تأتي المسؤولية على من ولّاهم الله سلطةً، وقلّدهم أمر البلاد والعباد، فهم مسؤولون موقوفون بين يدي رب العباد: هل حفظوا الأمانة أم ضيعوها؟.
وبشّر المؤلف -حفظه الله- بأن الأمة -بفضل الله تعالى- قادرة على حمل الأمانة بمؤسساتها العلمية، وجمعياتها الدعوية، ومنابرها العامة، ومجالسها الخاصة، وكل مكوناتها الفكرية والثقافية، ومنصاتها الإعلامية، لأن الذي يجمع كلمتها، ويوحّد صفها هو الإسلام العظيم.