هوس العودة L’obsession du retour(ح14)

…. وكما هو الحال في أي مكان من العالم، كان الأطفال –التلاميذ الصغار قريبا منا- هم من يزعجوننا. عندما نذهب إلى البقال. نسمعهم يصرخون خلفنا: “سينغال، سينغال”! كان ذلك يثير دهشتي كثيرا. كيف استطاعت كلمة “سنغال أن تنتشر إلى هذا الحد في هذه الأرياف؟

أين اعتاد هؤلاء الصبية على الهتاف بكلمة “سينغال” كلما رأوا وإفريقيا يمر أمامهم؟

لقد أوضحنا كثيرا أننا لسنا سينغاليين، بلا فائدة. لقد كان لوجود دماء السينغاليين في المغرب خلال الاستعمار، دور في ذلك بالتأكيد. ذكرني ذلك بما حكاه لي أحد أصدقائي، كان طالبا في تونس خلال العطلة في الوطن: “حيث كنت أمر في بعض الشوارع، ينادي علي شباب من خلفي، قائلين: سينغالي سنغالي! وكنت استدير لأقول لهم إنني يابابي”. كثيرا من الناس يعتقدون أن أي شخص أسود البشرة هو سنغالي.

ومعروف كذلك، عن السنغاليين كثرة ترحالهم وأسفارهم، وأحيانا يوصفون بأنهم “مغامرون كبار” من طرف الأفارقة أنفسهم.

كان موسم الأمطار قد بدأ بالفعل، هنا والأمطار تهطل في أغلب الأحيان، بهدوء ودون إزعاج في الأمر أكثر اضطرابا، بعواصف قوية محملة بالغبار والأتربة، قبل التساقطات الغزيرة. البرق يمزق السحب، وأصوات الرعد المدوية، والتهاطلات المتتالية بقوة. بينما في المغرب يحدث أن يستيقظ المرؤ ليلاحظ أن المطر هطل بغزارة دون أن يزعجه في نومه.

قالت لي سارة: ” أنا ذاهبة اليوم، إلى سميرة. هل تتذكر وعدك؟

طبعا، سارة لن أخلفه لكن انتظري حتى أحضر نفسي.

كانت الأسئلة والأفكار تتزاحم في رأسي. كيف سيحدث ذلك؟ الدخول إلى بيت ريفي مع سارة التي هي، المدعوة فعلا، لكن مع ذلك، عند عائلة مجهولة وفي بلد مختلف عن بلدي.. أول زيارة إلى أحد من السكان منذ وصولي إلى المغرب! خدمة لم أكن لأرفض تقديمها لفتاة تخشى أن تحضر وحيدة؛ وهو موقف طبيعي تماما في بلد مجهول، وكل ما كان يقال عن العرب غير مشجع على الإطلاق. غير أن فضولي كان أقوى من كل حكايات الدنيا، حتى أنني كنت مستعدا للذهاب إلى هناك وحدي. لقد تغلب التعطش لمعرفة أناس آخرين على جميع التصالح بالخدر والتحفظ التي قدمت لي من قبل.

في الطريق كان الصغار الذين نلتقيهم يتوقون وينظرون إلينا ونحن نسير صامتين تماما عند اقترابنا. كانوا يرددون، خلفنا، كلمات خافتة وهمسات سريعة، سمعت، بعيدا وراءنا عبارة “سينغال” سينغال” ذاتها التي لم تعد تسترعي انتباهي لكثرة ما تعودت على سماعها منذ جئنا إلى المنطقة.

عند باب منزل سميرة، أتي كلب للقائنا وهو ينبح بهيجان هل كان هو سبب كل ذلك الإلحاح من سارة كي أرافقها؟ كانت موفقة، فمنذ زمن طويل لم يعد نباح الكلاب يخيفني. أقبلت فتاة تبلغ من العمر حوالي ثمان عشرة سنة وأبعدت الحارس الوفي ببعض الحجارة، مع أنه لم بفعل سوى عمله. أسرعت نحو سارة واستقبلتها بقبلات حارة. بقيت أرقب المشهد من مسافة متأخرة، أتتبع ردة فعل الفتاة إزاء وجودي. الواقع أن سميرة تقدمت بكل تواضع ومدت لي يدها برحابة، مرحبة بي باللغة العربية، ودعتني للدخول إلى بيتها.

بعد أن أجلستنا بشكل مريح في المنزل جددت ترحيبها بنا، اختفت سميرة لبرهة كان مذهب الفضول الذي أمثله، يسجل أصغر التفاصيل. حشايا، وضعت بجانبها أدرج تحمل أغطية من الحرير الطبيعي، مطوية ومضغوطة بطريقة دقيقة تماما. طاولة منخفضة دائرية من الخشب البسيط، ونافذة بلا تبليط، مفتوحة على ردهة، ومزهريات ملونة. عادت سميرة تحمل إبريقا مليئا بالشاي وثلاثة كؤوس صغيرة جميلة التطريز، ووعاءا معدنيا. مرت الظهيرة بشكل جيد كانت سميرة متفاجئة جدا لكوني أتكلم العربية بطلاقة نسبيا، وأفهم كل شيء تقريبا مما تقول وذلك بفضل حسانيتي مرة أخرى، القريبة من اللجهة المحلية التي بدأت أسمعها ….  كانت سارة شبه أمية في العربية تتحدث إلى سميرة بفرنسية مبسطة لدرجة توافق مستوى صديقتها التي لم تدرس إلا قليلا جدا في الابتدائية.

قررنا في النهاية أن نغادر، فاعترضت سميرة التي أدارت أن بقى لتناول العشاء، لكن كان يجب أن نعود قبل غروب الشمس، خاصة وأن هنا طلاب أكثر في الشوارع مع حلول الليل. تفهمت مضيفتنا التي قبلت إصرارنا على الذهاب؛ مصرة –مع ذلك- على أن نعود مرارا إذا أمكن.

لقد سرني أن أتفاجأ بتلك الفتاة سميرة التي بدت منفتحة بقدر ما هي ذكية –لقد أخذت، لوحدها، مبادرة دعوة سارة. كانت تتحدث كثيرا وأمطرتنا بالأسئلة حول بلدينا ونمط عيش كل منا. أمر نادر لدى فتاة من البادية، أن تتحلى بمثل هذا الاهتمام بالخارج.

عند العودة إلى السكن الداخلي في الحظيرة، قصفنا الرفاق بالأسئلة:

كيف جرى الأمر؟ ماذا فعلتما؟ هل كان الأمر لطيفا؟ هيا بسرعة، بسرعة، تكلما!”. استجبنا، عن طبيب خاطر، لفضولهم الذي كان يفضح رغبتهم الجامحة للذهاب، بدروهم، للقاء هؤلاء الناس الطيبين الذين يتقاسمون معهم العمل، كل يوم. أزحنا، سارة وأنا قطعة جليد كانت تثقلنا جميعا وكان طبيعيا تماما أن نتقاسم طعم هذا الانفتاح.

شهدت الأسابيع الموالية تعزيز صداقتنا مع سميرة. كنت، وسارة، الأكثر تعودا على بيتها، وكانت سميرة تتصرف معنا، في الحقيقة، كأخت. كانت أكثر تحفظا قليلا اتجاه الأصدقاء الذين كانوا يرافقوننا، من حين لآخر، لكن نادرا، وذات يوم قرر هؤلاء دعوتها إلى المسكن الداخلي، مع أختها الصغرى وأختها الأصغر. أمضينا وقتا في انتظار الغداء، في التحدث ونحن نحتسي القهوة. مع التعليق على الصور التي أخرجها كل منا بالمناسبة. كانت سارة تتولي الطبخ، بينما قمت أنا بدور المترجم بين أصدقائنا المغاربة وزملائنا الطلاب.

 

****

أشرف التدريب على نهايته، وكنا قد تأقلمنا مع عمال الحظيرة، خاصة بعض العمال من القرى المجاورة، لكن بالنسبة لي، كانت الصداقة مع سميرة هي الأهم. لم تفتأ روح الانفتاح لديها تدهشني. ألحت كثيرا على أن نعود لزيارتها، حتى إذا عدنا إلى الرباط نهائيا، فكانت تكرر: “مرحبا بكم دائما في بيتنا”.

في اليوم الذي غادرنا فيه، مرت السيارة التي تقلنا أمام منزلها. طلبنا من السائق التوقف لحظة، كانت العائلة كلها في الخارج. كان التأثر سيد الموقف. عبارات وداع مفعمة بالعاطفة، قبلات هنا، وعناق هناك. لقد تركت، مرة أخرى، أصدقاء ورائي وأشعر تماما أنه، إذا كنت لن اشتاق، ربما للعمل في الحظيرة، فإن الأمر لن يكون كذلك بالنسبة لبعض العمال، وخاصة سميرة وعائلتها. لقد باتت لدى في الغرب عائلة أصدقاء.

كان أمر لا يصدق أن أحس، في تلك اللحظة، كم تذكرني تلك الأماكن القرى، المجاورة لمدينة ألاك. أما حين أتذكر فتيات الريف عندنا، تكون دهشتي أقل. عندنا أيضا البدويات عادة، أكثر انفتاحا ووعيا من نبات المدينة، كما أن كرم الضيافة في المغرب لا تزيد على ضيافتنا في شيء، رغم فوارقهما. وبعيدا عن بريق العصرنة الاصطناعي، وجدت نفس البداة، هنا وهناك بكرم ضيافتهم التلقائي وحياتهم شبه البدائية، يمنحوني نفس الفرحة بالحياة في الهواء المفتوح. لم أعد أتوقف عن المقارنة بين ما هو هنا وما هو هناك. لأكتشف، إلى جانب الفوارق الجلية، أوجه تشابه عميقة يصعب التعبير عنها، لكني أحسستها، ببساطة في النظرات والعبارات وأسلوب التصرف؛ وفي حركات المسنين والمسنات، وهي في أجواء البيوت، نفس النكهة الناعمة لحسن الجوار والتضامن.

نقاط تشابه استطاع خيالي أحيانا بناءها أو تجميلها وإن كان الواقع يكفي كثيرا، لإدراكها إنها طبيعة الحياة. في الأقاليم. التي تؤسس لهذا التقارب الكوني الحياة المدنية تخرج الأذهان من إطارها الطبيعي، وتلك خصوصية المدينة، المدينة الكبرى التي تميل إلى المزيد من فردية الأشخاص، محدثة مزيدا من الانفصام بين السكان.

حياة ضيقة أدق ، دراسة انشغالات مصالح، انعدام الوقت انفعال هؤلاء على أولئك ضيق المساكن، خوف جماعي أشكال الخوف كلها:

من الآخر: من الآخرين، من المجهول من المجهولين مخاوف اليوم والأيام القادمة، بنفس الغموض.. هكذا كان ذهني يسرح، بينما يختفي منظر الحقول وشيئا فشيئا، تاركا مكان لتلك المربعات اللامتناهية والمتوازية لمدينة الرباط حسب مبدأ استئناف دروسنا الزراعية.

*****

بدأت الدروس النظرية في اليوم الموالي لرأس السنة 1987 وعند الاستراحة. وعلى أساس العلاقات الحميمة البديهية، تجمع الطلبة في الساحة. كان لون البشرة عاملا حاسما في التقارب. ولم يشذ الأجانب الأفارقة كما يسمون هنا عن القاعدة. شعرت برغبة كبيرة في ربط علاقة تعارف مع الشباب المغاربة والمغربيات.

كانت الفتيات يمرن فرحات، ويثرثرن أحيانا، لكنهن بدين متحفظات جدا. في الواقع كان كل هؤلاء الناس يبدون لي بعيدين كانت الأحكام المسبقة تتطاير في الهواء، بملأ الرؤوس الكل يخاف من الكل. البعض يتوجس من البعض الآخر. مع أننا كنا قريبين جدا من بعضنا البعض. في متناول اليد، ذراع واحدة تمتد، وخطوة واحدة يتم قطعها، ولسوء حظنا كنا نجد كل الصعاب لكسر حاجز الزجاج، لكن لم يكن أن تجرأ على ذلك، ليس بعد القادم الجديد. يظل خدرا متحفظا لفترة طويلة. ثم هناك ثقل الدروس وما تتطلبه من تركيز يزيد ربما، من صعوبة التواصل مع الآخرين. تلك الدروس التي تشغل الجميع في المعهد، كل نهار، وحتى بعد الدراسة بالمراجعات، والتجهيزات، والأعمال التطبيقية…

أحسست بنوع من الخدر لدى الشباب المغاربة، رفض للأجنبي، خاصة الأوسود الذي يتجنبون الاقتراب منه، وكأنه كان لابد من إدامة اللامنطق الجغرافي المتمثل في عزل المغرب العربي عن إفريقيا. كنا كشباب سود، ما نزال نحمل علامة كل الشرور، وربما جميع الأمراض. وكان هذا الخوف غير المصنف يبعدنا كثيرا عن الجمهور العريض من المغاربة، بقدر ما كان بلا منطق. فلكي يسمع صوت المرء، لابد من الإنصات له. ولأن الفهم مستحيلا فإن الاستماع يتيح، على الأقل الإبقاء على الأمل في أن يتم فهم المرء يوما ما.

ذات مجموعتنا الصغيرة من المتدربين في كتلة طلاب السنة الأولى البالغة ستمائة طالب، كنا نلتقي، قليلا، خلال استراحات، لكن العلاقات الجديدة المنظمة حسب الغرف على أساس الجنسية، حلت سريعا محل ذكريات ثلاثة

شهر من التدريب. أما الزائدي فقد غادر المعهد وسجل في مدرسة للإدارة وبما أنه بيروقراطي، فقد كان ذلك أنسب له كثيرا.

خمسة موريتانيين تقاسموا مع الغرفة: محمد جبريل صال، فلافي مثلي، سبق أن صحبته في القسم النهائي بثانوية بوكي، ولفيان هما دياديبي وأحمد غلي. وحرطاني يدعى امباي (الثلاثة من روصو) وسليمان جالو، الملقب جيل الوحيد من انواكشوط ضمن المجموعة، وهو فلاني أيضا حياة جماعية مغلقة نقاشات يتم إنعاشها أحيانا، وفوق ذلك الكثير من العمل، حتى وقت متأخر من المساء عاكفين على دروسنا وواجباتنا.

من حين لآخر، خلال عطلة نهاية الأسبوع، أخرج إلى شارع الأمل 4 أسلم على هذا وذاك. غير الجو في الواقع. كان موريتانيان آخران، من البيظان، ضمن دفعتنا.

تمكن الأكثر شجاعة من المغاربة والزنوج الأفارقة، في النهاية، من كسر حاجز الزجاج. استطعنا عندها إدراك حجم الجهل الذي كن سائدا بينا. دارت أسئلة المغاربة الأولى حول رؤيتنا لبلدهم: كيف ترون المغرب؟ كيف وجدتم المغرب؟ تم جاءت أسئلة أخرى، أقل تحديدا، عن بلداننا العادات والتقاليد في الواقع لم تكن شيئا عما يدور خارج محيطنا المعتاد إذ أن أهل المدينة على علم، قبلا بأخبارهم الوطنية، لكن ليس بما يخرج عن ذلك من الجهل هو ما يجعل الأعين تحبط عند مرور أي وجه يلون مختلف وبما أنه لا أحد يريد أن ينظر إليه على أنه وضيع، فقد كان معظم الناس يتجمعون على نرجسيته عرقية مفرطة تكتسي، بسرعة، حلة من الازدراء الذي يتجسد في الفكر والطرائف، والسخرية، والحماقة. وبطبيعة الحال، حين لا يكون للغالبية الساحقة المحيطة بالمرء، فإنه يشعر بنفسه في حيز ضيق..

مرت السنة الجامعية بسرعة كبيرة، رغم صعوبات الحياة الطلابية ولئن كنت افتقر إلى التواصل، بلا أصدقاء ونقاشات مثرية بشكل حقيقي باستثناء الأحاديث العابرة المعتادة خلال الاستراحة وفي الأروقة فلأن الشعور بالعزلة كان سيد الموقف. ولسد الفراغ، تمكنت من التعويض بالإقبال على العمل الذي عاد علي بالكثير من السعادة. وعلى أية حال لقد أتبنى رأيي، وأخذت موقفي: بشكل جلي، كان لون البشرة يلعب دور مختلا في هذا البلد. ففي الشارع يؤكد الشاب

ما لا يجرء الآخرون ربما من باب المجاملة، أو الخوف قوله في القسم أو في الساحة إلا تحت تأثير الغضب بالنسبة للفتى العابث فإن كون الإنسان أسود البشرة يعني كونه لاشيء ولا يفوت أية فرصة ليشعر بذلك.

 

*****

فور عودتي إلى انواكشوط مررت بوزارة التهذيب الوطني لتسليم طلبي للتدريب الذي كان علي، إلزاما القيام به، قبل افتتاح الدراسة. تدريب للريفية” كما يصفه المعهد، وعلى جميع الطلبة مغاربة وأجانب، القيام به خلال العطلة الصيفية. كل شيء كان معدا لكي نتعرفبأفضل ما يمكن، على حقائق الأرض. لكن هذا المسار سيفصل فترة العطلة التي طالما حلمت بها. كنت أواسي نفسي قائلا: “ستكون قصيرة، لكنها ممتعة!”. وقد بدأت تذوق، قليلا من نكهة مشاعر اللقاء مجددا، حيث توقعت أن تكون عازمة، بعد تلك الأشهر الطويلة من الغيبة.

تفاجأت حين علمت بأن والدي في انواكشوط ينتظر وصول ليعود معي إلى ألاك. أبلغني بحرارة، بما ينتظرني في موطني: أغلب أصدقائي هناك بالفعل، ويعدون للعبد الكبير؛ عيد الأضحى. في الواقع استقبلنا العائلة، والجيران، وكل الحي. أما أصدقائنا المجتمعين بالتأكيد عند أحدهم، فقد أسرع أخي الأصغر ليبلغهم الخبر، وعادوا مسرعين جدا. وها نحن نكتفي، قريبا لكنا، بعد عام تقريبا من الفراق!

عدت إلى بيئتي ما قبل المغرب، تبادلنا ألف حكاية وحكاية وكنت ألبي عن طيب خاطر فضول الجميع: ما شاهدته جمال المدن، الأرياف، البلد؛ وما عشته من صعوبة التواصل مع الشباب هناك، خاصة في المدينة وبعد الظهر أعد لي برنامج صغير “خاص بعيد الأضحى” كنت متشوقا كثيرا لرؤية فئتي الممرية من الإناث التي اشتقت إليها مثل اشتياقي لأصدقائي في نادي وتبو في المساء، التقينا مجددا عند اشكارتا. لم يكن هناك أي مجال لأن نفترق لحظة واحدة ولأي سبب في الدنيا.

جرى الجزء الأساسي من برنامجنا، بطبيعة الحال في القرى المجاورة. كنا أكثر ارتياحا فيها من المدينة، ضمن أكثر التقاليد البولارية نقاء ثم حفظها بهذه الدرجة من الحرص في الهواء الطلق. وعند حلول الليل بدت الطبيعة أكثر اقترابا من البشر. تحت ضوء القمر قريبا من بيوت أهلنان كانت الأحاديث الهادئة؛ المتقطعة بفعل أصوات الأطفال؛ تمتزج بترانيم المغنين التي يتخللها صياح الحملان وخوار العجول، ونهيق الحمير كنا نحب رؤية الأفق، وهاو القمر في هدوء يزيح الغيوم، ويبعث نوره بعيدا بعيدا أحيانا..

كانت غورال وتوفدي ديابي، حيث أمضيت جل فترة عطلتي القصيرة قريبة جدا من ألاك لدرجة أن هذه الأخيرة ظلت حضرية وريفية في آن واحد. وبلغ هذا الاختلاط في الصورة درجة جعلت ألاك تحتضن كافة القوميات، من العرب إلى البولار، مرورا بالحراطين وحتى عائلتين ولفيتين؛ بينما لا توجد، عادة سوى قومية واحدة وأحيانا قبيلة واحدة.

بعد أسبوعين على عودتي إلى ألاك، ذهبت إلى كيهيدي لأتدرب في مجال اختصاصي الريفي. في تلك المدينة عاصمة ولاية غورغول، التقيت مجددا بثلاثة طلاب، أرسلنا الوالي إلى الإدارة الجهوية للشركة الوطنية للتنمية الريفية (سونادير) وبعد تقديم موجز عن مؤسسة حول المدير إلى ديجول، وهي قرية تبعد ثمانية عشر كيلومتر إلى الجنوب الشرقي من….يتواصل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى