هوس العودة L’obsession du retour(ح18)
…صحيح لقد مرت ثلاثة أشهر بين الرسالة الأخيرة التي تلقيت من عسمان مامادو ورسالة أبي…هذا ما يفسر هذا التأخر النسبي.لكن هذه الفكرة التي لا تقدم بديهيا أي تفسير للأحداث لم تهدئ روعتي،والتي وصلت إلى درجة جعلتها بادية على وجهي.مما دفع أحد زملائي في الدراسة ملاحظة ذلك.
كيف أمكن حصول كل هذا؟كيف لم يستشعر أحد قدوم الكارثة؟كيف بقيت مرتاحا في مدرستي ،أجهل أن عائلتي،أهلي ومجموعتي قد عبروا الحدود منذ أكثر من أسبوعين،بعد يومين من أعمال الشغب والنهب،بتشجيع وتأطير من الإدارة وقوات الأمن في مدينتهم؟
لقد كانت معجزة،أنه لم يقتل أحد،فقط بعض الجروح الناتجة عن مشاجرات،حسب ما أبلغت.ولكن كيف سكت جيراننا عن هذا الخزي؟جيراننا منذ سبعين سنة؟
بهدوء حاولت تقدير حجم وضعي الجديد.ولأني لا أعرف كيف أتصرف فقد قررت انتظار رسائل أهلي القادمة.كان أهالي جميع أصدقائي تقريبا قد تعرضوا للإبعاد.
إذا كنت أريد أن أنهي تكويني،فإنه على تجنب الذهاب إلى نواكشوط خاصة،هناك سيسحبون بكل تأكيد أوراقي المدنية،قبل بعادي أنا أيضا.
أضف إلى ذلك أنه بدون أهلي في مدينتي،لم يعد هناك وجود لألاك بالنسبة لي.
لكنني كنت موريتانيا وسأبقى.حول هذه البديهية بدأ يتشك لهوس الإصرار على حضور عودة مجموعتي وكل المبعدين.
لم أعد أفكر إلا في هذا الأمر،وليس مهما كيف سيحدث ذلك ويتحقق.
علمت من خلال بحثي المستمر عن الأخبار أن الإبعاد متواصل بعد أربعة أشهر من رسائل النذر التي تلقيت من أهلي.كنت أقرأ في الصحف شهادات فظيعة،وبدأت صور اللاجئين تنشر.
حسب بعض الصحفيين فإن النظام في نواكشوط يحاول “تبييض البلد”-تلك عبارتهم-.
خوفا من التواطئ بين الحراطين الذين هم من فصيلته لغويا والذين يمثلون أغلبية والفلان الذين يمثلون أهم مجموعة،فقد قرر النظام التخلص الفلان بإبعادهم خارج الأراضي الموريتانية.
الأمر يتعلق فعلا بتطهير عرقي مع سبق الإصرار،بتنفيذ أكثر مجموعة البيظان عنصرية والتي تشكل أقلية.
رغم الألم النفسي،قررت تحكيم الحكمة وقررت إمضاء عطلتي للسنة الثانية في المغرب.
لن أر أصدقائي ولا أهلي ولا أي أحد من معارفي.كنت أتألم كثيرا من ما يعانيه البلد،حيث جذوري العميقة وحيث يراد إقصائي،أحسست بالإساءة لى أساسي.
علي أكثر من أي وقت أن أتفرغ لدراستي.إذا كان خوتي الأصغر،أصدقائي،وكل تلاميذ الإعدادية والثانوية والطلاب من مجموعتي،وجدوا حلم دراستهم يتحطم بألم نتيجة للأحداث الدرامية التي نظمتها الدولة الموريتانية،فإن علي أنا أن أفعل أي شيء لإنقاذ ذوي.
الأصعب كان بلا شك هو السيطرة على القلق الذي ينخرني.ليلي عامرة بمخيمات اللاجئين،والصور المؤثر لأوجه عرفتها ،تتعرض للتعذيب.
كانت الأخبار تسوء.لقد أغلقت الحدود مع السنغال،وقطعت الدولتان الشقيقتان علاقاتهما الدبلوماسية.
لق الحدود يعني أن الذين يريدون اللجوء لم يعودوا يستطيعون الهرب،مهما كبرت التهديدات ضدهم.
منع الإقتراب من النهر يعني الصيادين لن يستطيعوا الصيد.
ممنوعين من الإبعاد ،بدأ النظام في السجن والتسريح وحتى الإعدام خارج القانون.لقد بدأ الفراغ يحفر في الادارة.لم يقس أحد عواقب ذلك بالنسبة للبلد كله،هذا النزيف للكفاءات،لقد بدأ الاتجاه نحو الفوضى.ماذا سأصبح في هذه الفوضى الوطنية.ماذا ستفيد دراستي القاسية؟في أي لجوء محتمل سأجد خلاصي؟…….يتواصل.