هوس العودة L’obsession du retour(ح19)
…صحيح لقد مرت ثلاثة أشهر بين الرسالة الأخيرة التي تلقيت من عسمان مامادو ورسالة أبي…هذا ما يفسر هذا التأخر النسبي.لكن هذه الفكرة التي لا تقدم بديهيا أي تفسير للأحداث لم تهدئ روعتي،والتي وصلت إلى درجة جعلتها بادية على وجهي.مما دفع أحد زملائي في الدراسة ملاحظة ذلك.
كيف أمكن حصول كل هذا؟كيف لم يستشعر أحد قدوم الكارثة؟كيف بقيت مرتاحا في مدرستي ،أجهل أن عائلتي،أهلي ومجموعتي قد عبروا الحدود منذ أكثر من أسبوعين،بعد يومين من أعمال الشغب والنهب،بتشجيع وتأطير من الإدارة وقوات الأمن في مدينتهم؟
لقد كانت معجزة،أنه لم يقتل أحد،فقط بعض الجروح الناتجة عن مشاجرات،حسب ما أبلغت.ولكن كيف سكت جيراننا عن هذا الخزي؟جيراننا منذ سبعين سنة؟
بهدوء حاولت تقدير حجم وضعي الجديد.ولأني لا أعرف كيف أتصرف فقد قررت انتظار رسائل أهلي القادمة.كان أهالي جميع أصدقائي تقريبا قد تعرضوا للإبعاد.
إذا كنت أريد أن أنهي تكويني،فإنه على تجنب الذهاب إلى نواكشوط خاصة،هناك سيسحبون بكل تأكيد أوراقي المدنية،قبل بعادي أنا أيضا.
أضف إلى ذلك أنه بدون أهلي في مدينتي،لم يعد هناك وجود لألاك بالنسبة لي.
لكنني كنت موريتانيا وسأبقى.حول هذه البديهية بدأ يتشك لهوس الإصرار على حضور عودة مجموعتي وكل المبعدين.
لم أعد أفكر إلا في هذا الأمر،وليس مهما كيف سيحدث ذلك ويتحقق.
علمت من خلال بحثي المستمر عن الأخبار أن الإبعاد متواصل بعد أربعة أشهر من رسائل النذر التي تلقيت من أهلي.كنت أقرأ في الصحف شهادات فظيعة،وبدأت صور اللاجئين تنشر.
حسب بعض الصحفيين فإن النظام في نواكشوط يحاول “تبييض البلد”-تلك عبارتهم-.
خوفا من التواطئ بين الحراطين الذين هم من فصيلته لغويا والذين يمثلون أغلبية والفلان الذين يمثلون أهم مجموعة،فقد قرر النظام التخلص الفلان بإبعادهم خارج الأراضي الموريتانية.
الأمر يتعلق فعلا بتطهير عرقي مع سبق الإصرار،بتنفيذ أكثر مجموعة البيظان عنصرية والتي تشكل أقلية.
رغم الألم النفسي،قررت تحكيم الحكمة وقررت إمضاء عطلتي للسنة الثانية في المغرب.
لن أر أصدقائي ولا أهلي ولا أي أحد من معارفي.كنت أتألم كثيرا من ما يعانيه البلد،حيث جذوري العميقة وحيث يراد إقصائي،أحسست بالإساءة لى أساسي.
علي أكثر من أي وقت أن أتفرغ لدراستي.إذا كان خوتي الأصغر،أصدقائي،وكل تلاميذ الإعدادية والثانوية والطلاب من مجموعتي،وجدوا حلم دراستهم يتحطم بألم نتيجة للأحداث الدرامية التي نظمتها الدولة الموريتانية،فإن علي أنا أن أفعل أي شيء لإنقاذ ذوي.
الأصعب كان بلا شك هو السيطرة على القلق الذي ينخرني.ليلي عامرة بمخيمات اللاجئين،والصور المؤثر لأوجه عرفتها ،تتعرض للتعذيب.
كانت الأخبار تسوء.لقد أغلقت الحدود مع السنغال،وقطعت الدولتان الشقيقتان علاقاتهما الدبلوماسية.
لق الحدود يعني أن الذين يريدون اللجوء لم يعودوا يستطيعون الهرب،مهما كبرت التهديدات ضدهم.
منع الإقتراب من النهر يعني الصيادين لن يستطيعوا الصيد.
ممنوعين من الإبعاد ،بدأ النظام في السجن والتسريح وحتى الإعدام خارج القانون.لقد بدأ الفراغ يحفر في الادارة.لم يقس أحد عواقب ذلك بالنسبة للبلد كله،هذا النزيف للكفاءات،لقد بدأ الاتجاه نحو الفوضى.ماذا سأصبح في هذه الفوضى الوطنية.ماذا ستفيد دراستي القاسية؟في أي لجوء محتمل سأجد خلاصي؟…….يتواصل.
……الرسائل الثلاث التي تلت كانت تحمل تاريخا قبل الكارثة،وكانت تبرهن ببساطة على أن ما حدث لم يكن منتظرا.
نواكشوط 5 يناير 1989
إبن عمي العزيز أ (…)كل الأهل بخير.لقد جاءنا آبو كوم بوي ووكومبا سيرا قبل يومين،أما أختنا فاطمة فستغادر غدا بعد أن أمضت معنا شهرا لمتابعة علاج إبنها الذي توفي للأسف.
جميع الأهل في نواكشوط يسلمون عليك:عصمان هولي،ول سوكي الذي يعمل في وزارة العدل هنا،ميكا،أم بلال،هارونا(كولي ويورو)،غويدل،كلهم يسلمون عليك.
لقد أصبحت لنا غرفة خاصة بنا نحن المانيوس في المقاطعة الخامسة.عليك أن تكتب رسالة إلى خطيبتك بنتا إذا أمكن.فاطمة كادي ذهبت إلى قطر مع زوجها،كلل وسمون في موجودون في ثانوية بوغي.
مع الرسالة القادمة سأرسل لك صورة لنادينا إن شاء الله.إذا كانت لديك صورة لك أرسلها لي.راسلني على عنوان مودي هاوايل.
أتمنى أن تأتي في العطلة لأنني لم أرك منذ وقت طويل.أنا في السنة الثانية وقد نجحت الأول على قسمي في الامتحان (نهاية88).
كتبه أخوك وصديقك:أنكرتا باء
عن طريق جالو هارونا باتي مراقب اقتصادي ص ب نواكشوط ج ا م
22/02/1989
صديقي الحميم جلييس انيريري
أنا سعيد بأن أرسل إليك هذه الرسالة بعد انقطاع طويل.
لقد تلقيت رسالتك على عنوان مودي هاوايل،ولكني كنت انتظر عودتي من ألاك لأرد عليك.بيد أني منذ عودتي من مسفط رأسي لم تكن لدي أي أوقية حتى حق البريد لإرسالة رسالة ،بالإضافة إلى أن أهلك أعطوني جميع رسائلهم لإرسالها لك.
سامحني صديقي العزيز.لقد مرت أعياد الميلاد بخير بالنسبة لنا في النادي.كان كل الأعضاءيدورون حولنا.لقد دعونا “لي ميراج” وجرت الأمور في ظروف ممتازة.وجاءت الميراجيات إلا واحدة.وكان مجيء الكولايات ملفتا لإنتباه المدينة،لأن هن جئن راجلات(حوالي الساعة الثالثة)،بالنسبة لعودتهن أجرنا سيارة.كانت دعوة لا تنسى من 18 يناير1988.
في يوم20 من هذا الشهرقامت لي اغلوريا بدعوتهن،ولكن بعضهن لم تأت.أضف إلى ذلك بأن الدوبليست تنظمن كل مساء بالتناوب جلسات شاي ندعى لها.
أود أن تعرف أن احتفلات أعياد الميلا هذه ستظل مجعا في تاريخنا(…)عسمان،عمر بلال،كويدل،ميكا،هارونا وآمادو يسلمون عليك.
أختك هاوا هنا مع زوجها
صديقك وأخوك با عمر،نواكشوط
م:عليك أن تنظر لترى كم تغيرت عقليات الأدندية.
نواكشوط،24مارس 1989
حميمي العزيز أ
لقد تلقيت رسالتيك بتاريخ 17مارس 1989،يعني أنهما تأخرتا كثيرا،ولك لأن مودي هاوايل يتأخر كثير في فتح بريده،الدليل على ذلك أن الرسالتين وطرد الرسائل أستلمتها في نفس اليوم.لقد انتظرت أسبوعا لأرد عليك ،لأني كنت أريد التأكد قبل الرد عليك هل سأذهب إلى ألاك في عطلة نصف السنة.
لقد قررت أخي العزيز عدم الذهاب إلى ألاك لأسباب اقتصادية،لأنه لدي مشاريع ضرورية على الأمد البعيد،أريد مثلا تأثيث غرفتي مهما كلف الأمر لكي تكون لائقة بنا(….).
آمادو وسارا كادادو شاركا في مسابقة الحرس الوطني،علي بيدل ذهب منذ يومين إلى نواذيبو بدعوة من آمادو بلال،للبحث عن عمل،ولكن لم تعرف بعد هل حصل على عمل أم لا،عمر بلال سيتخرج الثلاثاء القادم من تكون الشرطة،عسمان ن في إجازة وهو في ألاك.بيلا موديل يوجد في روصو،ويراسلني دائما ويسألني عن أخبارك وهذا عنوانه:با بيلا عن طريق جالو سوري دركي سابق في روصو-جوربل-ج ا م.
الأصدقاء في نواكشوط بخير ويسلمون عليك.
أخوك وصديقك با عمر
نواكشوط