العلاقات المصرية الموريتانية.. دبلوماسية فاعلة وآفاق واعدة

فى زيارة تحمل الكثير من المعانى والعديد من الرؤى المشتركة، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسى نظيره الموريتانى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى يوم 4 يونيو 2023 الذى جاء فى زيارة لمدة ثلاثة أيام فى أول قمة تجمعهما منذ تولى الرئيس الغزوانى السلطة عام 2019؛ حيث تبنى سياسة خارجية جديدة قائمة على التعاون وتنويع العلاقات مع الجوار الإقليمى والعالمى.

وتعد هذه الزيارة محطة مهمة فى تاريخ العلاقات المصرية الموريتانية؛ حيث تلتقى مصر وموريتانيا فى الدوائر الثلاث العربية والإسلامية والإفريقية التى تمثل كل منها أولوية فى السياسة الخارجية المصرية، وهو ما كان له عظيم الأثر فى الانطلاقة التى شهدتها العلاقات المصرية الموريتانية منذ عام 2014.

أولا- مصر وموريتانيا.. علاقات تاريخية وتطورات ضرورية:

يعود التقارب المصرى الموريتانى إلى عام 1952، حيث دعمت مصر جهود التحرير الوطنى الموريتانية، ومن ثم بدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1963، بعد استقلال موريتانيا 1960. وعلى صعيد التعاون السياسى كانت الزيارات المتبادلة بين مسئولى البلدين خير شاهد على العلاقات الأخوية الراسخة بين البلدين، فقد شهد عام 1989 زيارة الرئيس المصرى الأسبق حسنى مبارك لموريتانيا لمناقشة أزمة موريتانيا مع السنغال؛ حيث رحبت موريتانيا بأسلوب مصر الدبلوماسى فى حل الأزمة.

وشهدت العلاقات الثنائية السياسية تطورا ملحوظا منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى الحكم وهو ما تجلى فيما يأتى:

-زيارات متبادلة رئاسية خلال افتتاح قناة السويس الجديدة والقمة العربية فى دورتها 26.

-مباحثات بين الرئيس عبد الفتاح السيسى والرئيس الموريتانى على هامش الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك.

-عقد آلية التشاور بالقاهرة تمهيدا للجنة العليا المشتركة التى عقدت بموريتانيا 2022.

– استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسى الفريق “حنن ولد سيدى” وزير الدفاع الوطنى بالجمهورية الإسلامية الموريتانية، الذى قام بزيارة رسمية إلى مصر، بحضور الفريق أول محمد زكى وزير الدفاع والإنتاج الحربى فى فبراير 2023.

– زيارة وزير الشئون الخارجية والتعاون الموريتانى “محمد سالم ولد مرزوك” لمصر فى مايو 2023، حيث شهدت الزيارة مباحثات فى عدد من القضايا من الملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وأبرزها الأوضاع فى كل من السودان وليبيا وسوريا.

وعلى الصعيد الاقتصادى، بدأت العلاقات الثنائية بين البلدين بتوقيع مذكرة تفاهم للتعاون الاقتصادى التى تضمنت إنشاء مزرعة نموذجية مشتركة بحوض نهر السنغال جنوب موريتانيا لتنمية الإنتاج الزراعى والحيوانى، وقعه الاتحاد العام للغرف التجارية المصرى، وغرفة التجارة والصناعة والزراعة بموريتانيا. وتتمثل أهم صادرات مصر لموريتانيا: عصائر الفواكه، الخضار، المعكرونة، الدواء، الألبان، القشد، الأسماك المصنعة، الدهانات.أما أهم السلع المستوردة فتتمثل فى:الأسماك، الدقيق، مصنوعات الحديد والصلب، فضلا عن توقيع أول اتفاق تجارى فى 1964، وتوقيع 6 اتفاقات فى 2006.إضافة إلى التعاون المصرى الموريتانى على الصعيدين المالى والضريبى بينهما، وذلك على هامش الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامى للتنمية التى استضافتها شرم الشيخ فى يونيو 2022، لبحث آليات التعاون بين وزارتى المالية للدولتين، وتبادل الخبرات حول أدوات التمويل البديل، للعمل على سد الفجوة التمويلية، وكذلك تبادل الخبرات فى مجال ميكنة المنظومتين الضريبية والجمركية، إضافة إلى إبرام اتفاق لمنع الازدواج الضريبى بين البلدين لتشجيع الاستثمارات.

ويعد التعاون فى قطاع البنية التحتية أحد القطاعات الواعدة بين البلدين؛ حيث تم التوقيع فى 21 يوليو 2022 على مذكرة تفاهم بشأن إنشاء خطين لقطار ترام فى نواكشوط بطول نحو45 كم، الأمر الذى يسهم فى حل مشكلة النقل داخل العاصمة. وفى إطار التفاعل الثقافى والتعليمى بينهما فقد زادت مصر من أعداد الدارسين الموريتانيين بها إلى نحو 150 طالبا خلال العام الدراسى 2022-2023.

وشهدت العلاقات الثقافية بين البلدين عديد التطورات؛ حيث تم افتتاح مركز ثقافى مصرى فى العاصمة عام 1964 لترسيخ الهوية العربية، كما يؤدى الأزهر دورا كبيرا فى التقارب الثقافى بين البلدين من خلال إرسال رجال الدين المصريين من (وعاظ/أئمة/خطباء) لموريتانيا فى المناسبات الدينية، فضلا عن زيارة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب إلى موريتانيا عام 2018.

ثانيا- مصر وموريتانيا رؤى متقاربة.. تعزيز الأمن الإقليمى نموذجا:

تشترك مصر وموريتانيا فى عديد الرؤى المتقاربة حيال القضايا المشتركة التى يأتى على رأسها التغير المناخى وقضايا العالم الإسلامى، فهناك تعاون فى إطار منظمة الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامى، ويأتى هذا التقارب فى ظل التغيرات التى تحيط بالمنطقة، فضلا عن الأزمات المتلاحقة داخلها، ويأتى على رأس هذه الأزمات: الأزمة السودانية، والأزمة الليبية، وملف سد النهضة.

بالإضافة إلى القضايا المشتركة، تحمل أجندة البلدين مصر وموريتانيا رؤى مشتركة بشأن عدد من الملفات يأتى على رأسها مكافحة الإرهاب، والتطرف، وتعزيز الأمن الإقليمى والدولى؛ حيث تعد كل من مصر وموريتانيا رائدتين، كل فى منطقتها، فى هذا المجال؛ إذ تتمتع مصر بتجربة متميزة فى مجال مكافحة الإرهاب على المستويين الإقليمى والدولى من خلال حشد جهود وطاقات كل الشركاء لدعم جهود القضاء على الفكر المتطرف الذى يهدد السلم والأمن الدوليين منذ عام 2013، وذلك فى إطار الاستراتيجية المصرية لمكافحة الإرهاب، وجاءت استضافة مصر لاجتماع اللجنة التنسيقية للمنتدى العالمى لمكافحة الإرهاب فى مايو الماضى 2023 تتويجا للدور الكبير الذى تؤديه الدولة المصرية حيال قضية الإرهاب. وفى المقابل، فإن موريتانيا تضطلع بدور فعال فى تعزيز الأمن الإقليمى فى منطقة الساحل والصحراء وذلك بفعل الاستراتيجية الأمنية التى اعتمدتها البلاد التى كانت مثالا يحتذى بفعل شموليتها لكونها تراعى مختلف المجالات التى يمكن أن تقضى على الإرهاب والتطرف اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وعسكريا، ما تجلى فى المشاركات البارزة فى المؤتمرات والأطر الدولية الخاصة بالأمن، وكان آخرها استضافة العاصمة الموريتانية، نواكشوط فى مايو الماضى 2023، المؤتمر الإقليمى حول التعاون عبر الحدود بين ليبيا والساحل، لمكافحة الإرهاب وجرائم الحدود والجريمة المنظمة بشكل فعال، ومشاركة نواكشوط فى اجتماع حلف الناتو المنعقد فى مدريد نهاية يونيو 2022.

ثالثا- مصر وموريتانيا.. مبادئ راسخة وقضايا مشتركة:

تقوم سياسة مصر وموريتانيا الخارجية على أساس الالتزام بمبادئ ومواثيق المنظمات الدولية والإقليمية، والعمل على تحقيق أهدافها فى إطار من المشاركة والفاعلية. وتتمثل أهم تلك المبادئ فى منع استخدام القوة أو التهديد بها فى العلاقات الدولية وفض المنازعات بالطرق السلمية، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول، وكذلك العمل على تنفيذ أهداف الأمم المتحدة، وخاصة حفظ السلم والأمن الدوليين، وتنمية العلاقات الودية بين الشعوب، وتحقيق التعاون الدولى فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذى تجلى فى القضايا التى جاءت على رأس أولويات المشاورات بين الرئيسين عبد الفتاح السيسى ومحمد ولد الشيخ الغزوانى فى القمة الأخيرة 2023، وهى:

– مكافحة التطرف والإرهاب، جاء ملف مكافحة الإرهاب على رأس أولويات الرئيسين المصرى والموريتانى؛ فقد عبرا عن رؤيتهما المشتركة فيما يتعلق بالأمن والسلم، وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب، وتعزيز التعاون فى مجال مكافحة التنظيمات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة سواء على المستوى الثنائى، أو فى إطار تجمع دول الساحل الخمس G5.

– ملف سد النهضة، بحث الجانبان الملف وتبعاته الخطيرة على الأمن المائى لدول مصب حوض النيل؛ حيث أكدا أن الأمن المائى المصرى جزء لا يتجزأ من الأمن المائى العربى، وشددا على أهمية حث إثيوبيا على التحلى بالإرادة السياسية، للأخذ بأى من الحلول الوسطى التى طرحت على مائدة التفاوض، وتلبى مصالحها، دون الافتئات على حقوق ومصالح دولتى المصب، وذلك من أجل إبرام اتفاق قانونى ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة.

– القضية الفلسطينية، بحث الرئيسان تطورات القضية الفلسطينية والجهود المبذولة لحفظ حقوق الشعب الفلسطينى الشقيق، وتحقيق تطلعاته نحو دولته المستقلة، على خطوط الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها “القدس الشرقية”.

– الأزمة الليبية، توافق الرئيسان فى الرؤى التى تتعلق بضرورة عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وخروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب، بدون استثناء وفى مدى زمنى محدد، تنفيذا للمقررات الدولية ذات الصلة.

– الأزمة السودانية، بحث الجانبان تطورات الأوضاع فى السودان، وأكدا أهمية التوقف الفورى والمستدام لإطلاق النار والحفاظ على المؤسسات الوطنية السودانية، ومنعها من الانهيار وتكثيف الجهود لدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة، للتخفيف من معاناة المتضررين، وحث جميع الأطراف على تغليب صوت الحكمة، للحفاظ على مقدرات الدولة السودانية ومصالح شعبها.

ختاما؛ إن الزيارة الاستثنائية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزانى إلى مصر التى جاءت بعد عدة لقاءات بين مسئولى البلدين، تعد محركا قويا لتطوير العلاقات المصرية الموريتانية؛ حيث يمكن تأكيد أن العلاقات الثنائية ستشهد طفرة خلال الفترة المقبلة فى عديد الملفات المختلفة للانتقال إلى مرحلة أكثر تقدما وشمولا من التعاون بين الدولتين خاصة أن البلدين يمتلكان فرصا عدة للتعاون فى القطاعات المختلفة، منها قطاعات الصيد البحرى، والزراعة، والثروة الحيوانية، وصناعة الدواء، وهو ما أكدته الزيارة، فقد اتفق الجانبان على التعاون فى مجالات البحث العلمى الزراعى، واستنباط أصناف جديدة من التقاوى والبذور للمحاصيل الاستراتيجية المتحملة للجفاف والملوحة، وكذلك التعاون فى تطبيق الممارسات الزراعية الحديثة وحصاد مياه الأمطار، فضلا عن التعاون فى إنتاج وزراعة نخيل التمر ذات الجودة العالية، فضلا عن زيادة الاستثمارات المتبادلة بين البلدين بما يرقى لمكانة كل منهما، وهو ما يعول عليه من خلال آلية التشاور التى ستنعقد خلال العام الجارى 2023.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى