مقابلة صحفية مع ذ. محمدٌ ولد إشدو منسق هيئة الدفاع عـن رئيس الجمهورية السابـق محمد ولد عبــد العزيــز 1/ 2
أجرى الحوار الصحفي أحمد ولد حارود - الحسانية

مقدمة:
متابعينا الكرام في بداية هذا اللقاء رحبوا معي بالأستاذ والمحامي الكبير محمدٌ ولد إشدو، رئيس هيئة الدفاع عن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز..
أحمد ولد حارود: بداية أشكركم أستاذ على قبول إجراء هذه المقابلة في ظرف دقيق تشهد فيه الساحة الوطنية حديثاً واسعاً عن احتمال صدور عفو رئاسي عن موكلكم، بعد إدانته بخمس عشرة سنة سجناً في قضايا تتعلق بالفساد.
الأستاذ محمدٌ ولد إشدو: بل نحن من نشكركم على ما تقومون به من عناء في سبيل إنارة الرأي العام في فترة تعتبر الأشد ظلاما وظلما في تاريخنا.
وبخصوص الإدانة التي تحدثتم عنها فهي – في نظرنا ونظر القانون والحق- لا قيمة لها ولا وجود، لصدورها من محكمة سياسية غير مختصة، حكمت بما يخالف أحكام الدستور وقرارات المجلس الدستوري وغيرها من النصوص الموضوعية والإجرائية، ومن دون أدنى أساس من البينة والدليل! وهذا هو الفساد الحقيقي الموثق! وليس الفساد المدعى على مبرز من طرف المفسدين!
🔴 المحور الأول: حول مستجدات الملف والعفو المنتظر
أحمد ولد حارود: بدايةً، ما مدى صحة الحديث عن عفو رئاسي مرتقب يشمل الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز؟ وهل تلقيتم، كهيئة دفاع، أي إشارات رسمية بهذا الخصوص؟
ذ. إشدو: لا. لم نتلق أي شيء بهذا الخصوص! وفي رأيي أن من المنطقي أن يترتب العفو عن ارتكاب جريمة. وقد عجز القضاء العادي – رغم عدم اختصاصه- عن إثبات ارتكاب الرئيس محمد ولد عبد العزيز لأي فعل مجرم! وجريمته الوحيدة هي أنه وطني مخلص غيور على مصالح الوطن؛ وأنه عدو شرس للفساد والمفسدين!
أحمد ولد حارود: هناك حديث عن وساطات متعددة؛ سعودية، وأخرى من طرف الرئيس الأسبق محمد خونا ولد هيدالة، وثالثة يقودها رئيس البرلمان السابق الشيخ ولد بايه، هل تؤكدون وجود هذه الوساطات؟ وما طبيعتها الفعلية؟
ذ. إشدو: لا علم لنا بها، ولا بطبيعتها إن وجدت!
🔴 المحور الثاني: موقف الدفاع والمرافعة القانونية
ا أحمد ولد حارود: أنتم معروفون بدفاعكم الدائم عن القضايا العادلة والمبدئية؛ فكيف توفقون بين هذا المسار المهني النزيه، وبين تولي الدفاع عن رئيس سابق متهم بالفساد؟
ذ. إشدو: أود أن أنبه أولا إلى الأمور التالية:
1. أن الدفاع حق يصونه القانون لكل متهم، مهما كانت خطورة التهمة الموجهة إليه. ولعل الذين اتهموا الرئيس محمد ولد عبد العزيز بالفساد أرادوا الالتفاف العملي على هذا الحق، مثلما التفوا على تزكية العمد للمرشحين. وذلك حين جندوا معهم ستين (60) محاميا شملت جميع نقباء هيئة المحاماة وجل أساتذتها الجامعيين، وبعضا من صفوتها! بهدف حرمان المتهم ممن يدافع عنه! ناسين – أو متناسين- أن الحق لا يعرف بالرجال! بل العكس!
2. أن مجرد الاتهام لا يجعل البريء مجرما! أولم يتهم المفسدون في مكة النبي – صلى الله عليه وسلم- بالسحر والجنون! وحماس وحزب الله متهمون بالإرهاب من طرف الصهاينة وترامب:
هكذا المصلحون في كل أرض رشقات الردى إليهم متاحة!
3. تبقى مسألة دفاعي عن الرئيس السابق المتهم بالفساد!
وسأحاول تلخيص أسبابها فيما يلي:
كنت في صف الرئيس أحمد ولد داداه خلال سنوات الجمر. وقد ساندنا جميعا حركة 3 أغسطس 2005 وخضنا معركة تمكين الإصلاح خلال المرحلة الانتقالية الأولى. وكنت مستاء جدا مما أفرزته تلك المرحلة؛ خاصة عندما استحوذ المفسدون على الرئيس المنتخب. وحين جرى تصحيح 6 أغسطس 2008 كنت من بين من ساندوا الجنرال محمد ولد عبد العزيز بصفته الأفضل، دون أن تكون لي معرفة به. سألت عنه من يعرفونه، فقالوا لي: “لا يكذب”. فقلت: من لا يكذب لا ينجح في موريتانيا. وعندما زار ذلك الجنرال الحي الساكن وأعلن منه ولاءه للشعب قلت يومها في مقابلة: “الجنرال محمد ولد عبد العزيز ظاهرة تجب مراقبتها عن كثب! فتجاهل أصحابي قولي. وانضموا – رغم تحذيري لهم- إلى جبهة الدفاع عن الديمقراطية. فتوجهت إليه، والتقينا في فندق الأطلسي وهو يخوض حملته الرئاسية. قلت له: بعضهم يريد السيارات، وبعض يسألونك القطع الأرضية، وبعض آخر يريد المناصب. أما أنا فجئتك أطلب حاجتين: الحاجة الأولى: إذا كنت حقا تحارب الفساد فإني أطلب منك الاستمرار في ذلك النهج وأعاهدك على المضي معك فيه، فالفساد هو عدو موريتانيا الأول. والحاجة الثانية: أن تمضي في مفاوضات داكار حتى النهاية، وتقبل شروط المعارضة وتفي بها. فقبل، وتحالفنا. ومما زادني اقتناعا بالرجل أنني لما نصحته بالحذر والحيطة اتجاه أعدائه؛ بصفته رأس حربة حركة الإصلاح الموعود، قال لي: “أولا يحق للرؤساء أن يضحوا بأرواحهم في سبيل قناعاتهم”؟ وسرنا معا من يومها، وما نزال نسير معا! ولم أستفد في عهده الميمون مثقال ذرة. ولو كنت استفدت منه شيئا لجاء به المبطلون! فدفاعي إذن عن الرئيس محمد ولد عبد العزيز لا ينبع من حقه في الدفاع فحسب؛ بل ينبع أولا وأخيرا من إيماني الذي لا يتزعزع بوطنيته وإخلاصه وببراءته مما اتهمه به المفسدون إفكا وإسقاطا! فهو وحده من كافح الفساد بحزم وعزم، وخلق لذلك الوسائل من قوانين ومحاكم وهيئات بحث وتفتيش!
4. ومن حقكم هنا أن تسألوني بما ذا أفاد الرئيسَ محمد ولد عبد العزيز دفاعُكم عنه، وقد أدين بالفساد وحكم عليه بالسجن 15 سنة؟
وجوابي هو أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز ودفاعه هم من انتصر في هذه المعركة رغم ما ذكرتموه! إذ المهم في نظر الرئيس محمد ولد عبد العزيز وفي نظر هيئة دفاعه ليس عدد الأحكام الجائرة ولا عدد السنين!
بل كوننا وإياه واجهنا دولة بحزبها الحاكم وبرلمانها وسلطتها التنفيذية وقضائها وقوات أمنها وجيشها وجواسيسها وذبابها الألكتروني وجميع إمكانياتها المادية والمعنوية.. وفي النهاية انتصرنا عليها وهزمناها حين بينا كذب وبطلان ما لديها، وبراءة من اتهمته ظلما وعدوانا وزورا وبهتانا.
أحمد ولد حارود: ما هي أهم الثغرات القانونية أو الإجرائية التي ترونها في مسار المحاكمة؟
ذ. إشدو: في مسار محاكمة الرئيس محمد ولد عبد العزيز لا توجد ثغرات قانونية. فالمحاكمة في واد والقانون في واد. وهنا أعطيك بعض الأمثلة الصارخة:
1. ملف فساد العشرية ليس ملفا قضائيا يحكمه القانون؛ بل هو انقلاب سياسي ناعم على نظام الأغلبية الشرعي. وجميع الخطوات التي خطاها كانت مارقة كلها على الدستور وعلى القانون:
– فتنة المرجعية.
– حملة الإفك الدعائية المغرضة ضد ولد عبد العزيز وعشريته.
– الستون محاميا وتحريف المادة 93؛ وتبييض انتهاك الدستور وخرق القوانين.
– لجنة التحقيق البرلمانية الدعية.
– حجب تقرير لجنة التحقيق البرلمانية عن البرلمان وعن القضاء.
– تكليف وكيل الجمهورية لمدير شرطة الجرائم الاقتصادية بإجراء بحث ابتدائي وكيف جرى تزوير وتدليس البحث!
– نهب ممتلكات محمد ولد عبد العزيز وأفراد أسرته ومحيطه بإذن من وكيل الجمهورية في غير اختصاصه!
– تجميد الحزب الوحدوي.
– الاتهام والمراقبة القضائية المشددة خرقا لأحكام الدستور.
– فريق النيابة والتحقيق الذي خرق مرسوم تشكيله.
– الإحالة بدون إشعار وبدون إجراءات ختم تحقيق!
– ثم المحاكمات التعسفية الظالمة ..إلخ ..إلخ.
2. هذا الانقلاب هو ما عشناه منذ يوم 6 أغسطس 2020، وما نحصد نتيجته اليوم من فساد لم يسبق له مثيل في تاريخنا، ومن انهيار شامل على كل الأصعدة! تقرير محكمة الحسابات مثلا!
أحمد ولد حارود: هل تعتقدون أن محاكمة الرئيس السابق كانت محاكمة قانونية بحتة أم أن السياسة كانت حاضرة في خلفيتها؟
ذ. إشدو: لعل فيما ذكرت آنفا جوابا شافيا على هذا السؤال.
أحمد ولد حارود: ما هو تقويمكم لحكم الخمس عشرة سنة؟ وهل ترونه عادلاً أم مبالغاً فيه، وما هو توقعكم لحكم المحكمة العليا؟
ذ. إشدو: أولا: فيما يتعلق بحكم الخمس عشرة سنة:
حكم الخمس عشرة سنة مثل حكم الخمس سنوات، لأنهما صدرا من الجهة نفسها الراعية للملف (خلية الانقلاب) لا من المحاكم التي نطقتهما. ويتصفان بثلاث صفات مشتركة:
1. صدرا من محكمتين غير مختصتين.
2. صدرا مخالفة للدستور ولقرارات المجلس الدستوري وجميع قوانين البلاد المتعلقة بالموضوع.
3. وصدرا على غير أساس من البينة.
وثانيا: فيما يتعلق بتوقعاتنا لحكم المحكمة العليا:
ففي البداية كان سقف توقعاتنا مرتفعا نسبيا، وذلك لعدة أسباب من بينها:
– أنها محكمة قانون، ومن المستحيل – في الظروف العادية- أن تنتهك محكمة عليا المنظومة القانونية في البلاد؛ وخاصة الدستور وأحكام المجلس الدستوري.
– أن في الغرفة التي ستنظر الملف قضاة لا يقنط من عدلهم!
وعلى هذا الأساس فقد حضرنا إلى قاعة المحكمة بحماس رغم المضايقات المتمثلة في عسكرتها على غير العادة، ومنع دخول الهواتف، والتفتيش المكثف!
لكن ما إن حضر فجأة – وخلافا لجميع التوقعات- السيد رئيس المحكمة العليا نفسه ليترأس الغرفة حتى تلاشى حماسنا وتفاؤلنا، وانخفض سقف توقعاتنا. ذلك أن السيد رئيس المحكمة العليا ليس عضوا في تشكلة الغرفة الجزائية المقررة بقرار من المجلس الأعلى للقضاء. وأن حقه في ترؤس الغرف مشروط بحالة الضرورة، طبقا للمادة 16 من التنظيم القضائي. و”الضرورة تقدر بقدرها” كغياب رئيس الغرفة. أو إعاقته بعائق مادي أو قانوني. ورئيس الغرفة حاضر غير غائب ذلك اليوم، لا يعوقه عائق؛ وهو من رفض طلبنا حضور موكلنا للجلسة، ومن اتخذ القرارات التحضيرية لها. ثم إن رئيس المحكمة العليا ليس قاضيا. وهو وجه من وجوه الحزب الحاكم، ووجيه من وجهاء ولايته، وفاعل سياسي بامتياز؛ وقد ظهر مؤخرا في اجتماع سياسي حزبي تعبوي تداوله الإعلام.. الشيء الذي يسوِّغ الشك المشروع في حياده. خاصة أن ملف موكلنا سياسي يتعلق بتصفية حسابات سياسية بينه وبين المفسدين الذين كان يحاربهم. وقد تجلى ذلك طيلة محطات التقاضي السابقة؛ ولذلك السبب الوجيه انسحبنا من الجلسة.
وعلى كل حال، فإن القرار – برئاسته، أو بدونها- لن يكون أبدا في هذه الحالة قرارا قضائيا؛ بل هو قرار سياسي مملًى! ولا يوجد في هذه الحالة ألف حل! بل يوجد خياران لا ثالث لهما. فإما تحكيم وإعمال الدستور وقرارات المجلس الدستور حفاظا على ما بقي من الدولة، وصيانة للدستور ولمؤسسات الدولة، ولرئيس الجمهورية، وإعلان عدم اختصاص القضاء العادي بمساءلة واتهام ومحاكمة رئيس الجمهورية على أفعاله خلال مأموريته حسب نص المادة 93. وبذلك يطوى الملف! وإما الاستمرار في البغي والهروب إلى الأمام وانتهاك الدستور والقانون بتأكيد الحكم الطعين. وبذلك يتعزز ويهيمن الفساد، فيزداد الوضع تأزما، والأفق انسدادا، ويكون المستقبل على كف عفريت في مهب الريح.
تتواصل إن شاء الله



