خطاب الرئيس بين”اليد الخفية”و”الدولة المتدخلة”
باباه ولد التراد
قبل الكارثة الاقتصادية التي نجمت عن فيروس كورونا كان الاعتقاد سائدا عند الحكومات الليبرالية أن دور الدولة لابد ان يكون محصورا فى وظيفة الأمن والدفاع “الدولة الحارسة ” اعتمادا على مبدأ ” اليد الخفية ” الذي أكد من خلاله ٱدم سميث : ( بأن الفرد الذي يقوم بالاهتمام بمصلحته الشخصية يساهم أيضاً في ارتقاء المصلحة الخيرة لمجتمعه ككل ، فعندما يزيد العائد الشخصي لفرد ما، فإنه يساهم في زيادة العائد الإجمالي للمجتمع ).
غير أن عالم ما بعد كارثة “كورونا ” قد يغير وظيفة الدولة التي كانت “ضابطة ” و”حامية” تضع القواعد وتحمى الأفراد فحسب.
حيث تأكد أن الدلة بما لها من قوة ستنهض بمسؤولياتها ويتضح لصانعي سياستها الاقتصادية أن لها دورا متزايدا في النشاط الاجتماعي والاقتصادي وهذا يقتضي ضرورة التخلي عن تطبيقات مفهوم “الدولة الحارسة”، “فحيثما تكون السلطة تكون المسؤولية ” .
من هنا فإن ان تغيير شكل الدولة من الدولة الحارسة إلى ” الدولة المتدخلة ” صار حتميا فالدولة المتدخلة هي الفاعل المركزي في المجتمع ولا يقف دورها عند حدود الحياد ، بل يتعدى ذلك الى الأمن الاجتماعي المتمثل في توفير مقومات الحياة المدنية الضرورية وخاصة منها الاقتصادية والاجتماعية ، بمعنى التدخل في الحركة الاقتصادية وتوجيهها خدمة للمصلحة العامة ، وهو ما لمسنا جزءا منه في خطاب رئيس الجمهورية الأخير عندما قال : ” وعملا على احتمال ارتباك حركة التجارة العالمية، أمرنا القطاعات الحكومية المعنية، باتخاذ كافة التدابير اللازمة لضمان استمرارية تموين البلاد بكافة احتياجاتها من المواد الغذائية والطبية والمحروقات.
أما فيما يتعلق بمواجهة ما قد يحصل من نقص في قدرة المواطنين على الكسب أو تأمين حاجياتهم المختلفة، فقد تقرر إنشاء صندوق خاص للتضامن الاجتماعي ومكافحة فيروس كورونا، يهدف إلى تعبئة كافة الموارد المتاحة وتوجيهها نحو الأنشطة ذات الصلة بانعكاسات الوضعية الحالية على المواطنين خصوصا الطبقات الهشة وذوي الدخل المحدود”.
ويتأكد هنا ان دور “دولة الرعاية” أضحى ضروريا لتوفير الحاجيات والتأمين ، وأن تجربة الخوصصة التي اعتمدتها بلادنا اثبتت فشلها التام لانها ارتبطت بمصلحة أفراد لا بمصلحة اقتصاد الدولة وزادت في احداث الفوارق الاجتماعية وقضت بصورة كبيرة على الطبقة الوسطى، التي وجدت نفسها خارج اللعبة الاقتصادية ، كما أنها لم تهيئ البلاد للتعامل مع الأزمات الاقتصادية الطارئة .
ومع ذلك فان التناقض الصارخ بين البنية الاجتماعية للإنتاج والملكية الخاصة لوسائل إنتاج تعتمد علاقات قائمة على الغبن وزيادة التفقير للطبقات الكادحة تدفع بالضرورة الى التفكير في تغيير شكل الدولة في إطار نمط الانتاج الرأسمالي السائد .
وهذا يعني أن أسلوب التخطيط المركزي على المستوى الاقتصادي سوف تتحقق من خلاله التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويرتقي بأنظمة ومؤسسات الدولةإلى فضاء تشاركي يتسع لخدمة الجميع .
ويؤكد هذا انه لا يمكن حدوث تنمية حقيقية وشاملة دون تدخل مباشر من جانب الدولة .