كفى تمييزًا: متى نمنح الكفاءة أجنحتها؟
الولي سيدي هيبه

إن الإعاقة الحقيقية ليست في الجسد، بل في فكرٍ يعجز عن أن يرى الإنسان بكل ما فيه من طاقة، لا بما ينقصه من تفاصيل.
لا يزال التمييز ضد ذوي الإعاقات البدنية في المناصب العليا حاجزًا صامتًا أمام التغيير الحقيقي.
في زمنٍ نفاخر فيه بشعارات المساواة وتكافؤ الفرص، ما زال التمييز ضد ذوي الإعاقات البدنية حيًّا بيننا، متخفيًا خلف الأقنعة الأنيقة لخطابات التقدير والاحترام. هؤلاء الذين هزموا إعاقتهم وتشوهاتهم الخلقية، وارتقوا بعقولهم وفكرهم وإنجازاتهم، يُقصَون عن مواقع القيادة، وكأن كفاءتهم لم تكن كافية لتجاوز حكم الجسد عليهم.
لا نكاد نرى شخصًا ذا إعاقة في منصب وزير، أو مدير مؤسسة كبرى، أو قائد فريق وطني، ليس لغياب الكفاءة، بل لأن النظرة النمطية ما تزال تتحكم في عقل بعض صناع القرار، وفي وعي المجتمع. يُنظر إلى الإعاقة كعبء، لا كعلامة على صلابة داخلية نادرة، ويُعامل أصحابها كما لو أن تميزهم الذهني لا يُمكن أن يغفر “نقصهم الجسدي”، لكن:
– هل القيادة جسد أم عقل؟
– أهي عضلات أم بصيرة؟
إن تجارب العالم الحديث تنطق بأمثلة من قادة ملهمين قهروا محدودية الجسد، وأثبتوا أن الفكر هو سيد القرار، وأن العزيمة لا تُقاس بطول القامة أو سرعة الخطى.
إن إقصاء ذوي الإعاقات عن مواقع التأثير من دوائر الإعلام الدي ينضح بالقدرات الهائلة المتمكنة من آليات صنع الخبر وتتبع الأحداث والاستقصاء المهني المتبصر، هو ليس فقط جريمة أخلاقية، بل خسارة وطنية. إنه تهميش لثروة بشرية قادرة على إحداث الفارق.
ولقد آن الأوان أن نتجاوز الشكل، وننظر إلى الجوهر، أن نبني منظومة تمنح الفرصة للكفاءة لا للمظهر وأن نُهيئ السلالم، لا أن نُطيلها فقط لمن يملك القدرة على القفز.
وإن قطاعات البلد لتعج بقدرات وطاقات خلاقة نادرة وكفاءات عالية هائلة، لكنها مطمورة تحت سيل عرم من أصحاب النظرة الدونية التي تخفي غيرة وحسدا.
وإن كذلك التاريخ لا يخلّد الأجساد المتناسقة، بل يخلّد من غيّروا مجراه بعقولهم وإرادتهم. ولعل الوقت قد حان لنعترف أن الإعاقة الحقيقية ليست في الجسد، بل في فكرٍ يعجز عن أن يرى الإنسان بكل ما فيه من طاقة، لا بما ينقصه من تفاصيل.
ألم يكن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين وزيرا للتعليم المصري؟
ألم يكن ف. روزفلت رئيسا للولايات المتحدة الامريكية على مقعد خلال أهم محطات تاريخ البشرية في أثناء الحرب العالمية الثانية؟