ثلاثة مواويل في ذكرى حبيب ولد محفوظ (مدخل)

بقلم الأستاذ محمدٌ ولد إشدو

في فجر الاستقلال الوطني بداية الستينيات الغراء، كان في هذه الأرض شعب بدوي مسلم مسالم طيب يعيش على الفطرة، يومن بالله وباليوم الآخر، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويسارع في الخيرات!
ولكي يدخل ذلك الشعب صفحة التاريخ الحديث، ويلتحق بركب الأمم المتحضرة، قامت نخبته – على قلة عددها، وضعف مددها- بتأسيس دولة مستقلة تجمع الشمل، وتحقق الخير العميم. وكانت نخبته صادقة في قولها مخلصة في عملها، فكسبت ثقة الناس، واستنهضت هممهم، وأنجزت لهم الكثير! وإن اختلفت فتدور خلافاتها حول هامش الربح والخسارة فقط، لا حول رأس المال. وتتم تسويتها عموما بالكلمة الصادقة وبالحكمة والموعظة الحسنة والتشاور والحوار!
وكان للكلمة يومئذ معنى ومبنى! فهي تزلزل الأرض وتدك الجبال، وتهزم الجيوش الجرارة!
فكانت “موريتانيا الجديدة” في سان لويس بإشراف الأستاذ العبقري عبد الوهاب الشيگر (رحمه الله) عرابةَ الدولة الجديدة!
واستقال الزعيم بوياگي رحمه الله من الوزارة، وجلس في كوخ من الطين في لكصر ينشر رأيه النير على المشمع (stencils)! وكانت “الواقع” لسان نقابة المعلمين العرب، و”موريتانيا الفتاة” لسان حركة القوميين العرب. ثم جاءت “صيحة المظلوم” ناطقة باسم الكادحين!
وكان من بين ثمار ذلك: إلغاء الاتفاقيات الاستعمارية المذلة، وإنشاء الأوقية، وتأميم ميفرما، وإصلاح حزب الشعب وإصدار ميثاق وطني تحرري!
***
… واندلعت حرب الصحراء المشؤومة، وامتد أوارها فأشعل السهل كله، وجاء بانقلاب 10 يوليو الرجعي فأكل الأخضر واليابس وكتب التيه على ذلك الشعب!
***
وفي مرحلة من مراحل التيه ظنناها فارقة وواعدة، بإعلان دستور جديد للبلاد، انبرت شلة من المثقفين الشباب بعدد أصابع اليد تعلن “بيانا” للناس وهدى، أصبح من بعدُ “قلم” عَلَّمَ الإنسان ما لم يعلم. وانطلقت مسيرة أخرى نحو الأمل، يقاتل فيها الحق الباطل بالكلمة الحرة الصادقة المجلجلة فيدمغه دمغا! ولكن كانت للباطل جولة فوأد القلم فأغرقه في محيط من الزيف والقذارة والقبح والنفاق هو الذي ما نزال نعيش تفريخه؛ حيث تهافتت الكلمة “العبدة” على الموائد تهافت الفراش على اللهب، ورقصت النخبة على الإيقاع كما يرقص بهلوانيو السرك، وصفق الشعب إلا من رحم ربك.. وهوى الوطن!
لم يتحمل حبيب وقع المأساة، فأسلم روحه إلى بارئها شاهرا “القلم” بيد، ورافعا لواء حرية وجلال الكلمة بأخرى في عنان السماء!
فكُتَبْتُ فيه ثلاثةَ مواويل سأنشرها تباعا في ذكراه مع ترجمة بديعة للأديب والروائي الكبير الدكتور موسى ولد أبنو!
رحم الله حبيب وغالي ومحمد فال، ومد في أعمار الذين ما يزالون أحياء من الشلة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى