من “ملتقى مدريد” إلى “جسر الصداقة”: نواكشوط بين الذاكرة والتحول
أحمد محمود أحمدُ جمال

تُظهر هذه الصورة الجوية ملتقى “مدريد” في نواكشوط كما كان في مطلع الألفية الثانية، في زمن كانت العاصمة ما تزال تحتفظ بجزء من معمارها الأصلي ومساحاتها المفتوحة. كان هذا الملتقى يشكّل آنذاك نقطة توازن عمراني بين الأحياء الرئيسية، بالقرب من المطار القديم الذي ظل لعقود بوابة المدينة.
حتى بعد نقل المطار الأول، لم تنجح وتيرة العمران المتسارعة في الحفاظ على بيئة موثوقة أو تحسين انسيابية المرور بشكل دائم. شيئًا فشيئًا، تقلصت المساحات المفتوحة، واحتُلّت الأرصفة ببناءات عشوائية، وتراجعت معالم المخطط العمراني أمام نمو غير منظم. وهكذا أصبح ملتقى مدريد فضاءً مكتظًا، تحيط به المحلات التجارية ومواقف السيارات والأسواق، فاقدًا ملامحه الأصلية.
اليوم، وفي إطار برنامج طموح للتحديث، تعرف نواكشوط تحولًا متسارعًا. ويجسد تدشين “جسر الصداقة” في هذا الموقع — مصحوبًا بأعمال التوسعة والتبليط والتشجير — أحد أبرز رموز هذا التغيير، ويعكس التعاون النشط بين موريتانيا والصين.
ومع ذلك، كما يشير محمد ولد اشريف اشريف، فإن التحسينات لا تكفي لمعالجة الفوضى الحضرية. فقد صُمّم الجسر لتسهيل حركة المرور، لكنه تحول إلى فضاء نابض بالحياة يلتقي فيه سكان من كل الأطياف؛ بين التقاط صور “سيلفي” ولقاءات وأنشطة تجارية صغيرة، ليمحو — ولو للحظات — الحدود بين الأحياء الراقية والمناطق الفقيرة.
كما تكشف مسألة التسمية عن إشكالية في إدارة الذاكرة الحضرية. فاسم “ملتقى مدريد” راسخ في الذاكرة الجماعية، وقد تم اعتماده رسميًا أثناء توأمة مع العاصمة الإسبانية، بحضور سلطات المدينتين. تغيير هذا الاسم يعني محو جزء من التاريخ المحلي. وبالمثل، فإن العجز عن الحفاظ حتى على برج المطار القديم — الذي كان يمكن تحويله إلى منصة عرض تحكي تاريخ نواكشوط للزوار — يعكس غياب رؤية للحفاظ على التراث.
إن حماية الذاكرة الحضرية لا تقل أهمية عن بناء الطرق والجسور. فالعاصمة لا تُصنع فقط من الإسمنت والفولاذ، بل أيضًا من الرموز والاستمرارية والشعور بالانتماء. ونواكشوط اليوم عند مفترق طرق: إما أن تبني مستقبلها على أسس متينة يرافق فيها التحديث احترام الذاكرة، أو تظل أسيرة دورات من البناء العشوائي والتنازلات الهوياتية.