ملاحظات ختامية أمام الغرفة الجزائية بالمحكمة العليا الملف رقم النيابة 001/2021

الأستاذ محمدٌ ولد إشدو

سيدي الرئيس، السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
اسمحوا لي أن أتقدم أمام محكمتكم الموقرة بالملاحظات الجوهرية التالية:
1. كنا قد تقدمنا أمامكم بعريضة نلتمس فيها تمكين موكلنا من حضور هذه الجلسة، لما يترتب على ذلك من أهمية بالغة. وقد عللنا التماسنا بمواد أساسية من قانون الإجراءات الجنائية، وبمبادئ قانونية راسخة تتعلق بصيانة الحقوق والحريات. وعندما رفضتم طلبنا، تأسيسا على مواد من القانون نفسه وعززتموها بأخرى من قانون الإجراءات المدنية، لم نبتئس لذلك الرفض؛ بل تفاءلنا به خيرا. لأن من يؤسس – بوازع إقامة العدل- على ما أسستم عليه عملكم القضائي المذكور، حري بإعمال المواد الدستورية الصريحة وقرارات المجلس الدستوري النهائية الملزمة، التي أسسنا عليها طعننا، قبل غيرها! {وسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}!
2. إن هذا الملف مختلق وملفق ومزور وسياسي من ألفه إلى يائه. ويتألف من نحو 20.000 صفحة. وقد منعتنا جميع درجات التقاضي التي مر بها حتى الآن ثلاثة أمور جوهرية يضمنها لنا القانون هي:
– حرية الدفاع.
– الانصاف. ونعني به العدل والقسط لا الحزب!
– تحكيم الدستور والقانون.
وعليه، فها نحن أمام محكمتكم الموقرة.. المحكمة العليا، أعلى وأقدس هيئة في هرم قضائنا، نلتمس منكم منحنا ما أخلت به ومنعته وضيعته درجات التقاضي الدنيا من حقوق موكلنا وحقوقنا في الدفاع!

3. إن تقرير المقرر الذي بين أيدينا لا يفي بما شُرِع من أجله؛ وهو تحضير الملف تحضيرا جيدا شاملا من شأنه أن ينير المحكمة ويوفر عليها الجهد والوقت، ويبين بوضوح مكانة الحكم الطعين، ومدى مراعاته لدستور وقوانين البلاد! ولذلك وجب صرف النظر عنه وتلافي ما أخل به.
وسأبدأ بدوري أولا: بتسليط الضوء على تهافت وتناقض مذكرتي النيابة (…) مع التنبيه على أنها تطلب في مذكرتيها قبول كافة الطعون شكلا، وفي الأصل قبول طعنها، ورفض باقي الطعون بما فيها طعن الطرف المدني المزعوم؛ وهذا يعني أنها تطلب، كما نطلب، إلغاء الحكم الطعين. وكذلك تهافت وهشاشة وتناقض مذكرة الطرف المدني المفروض (…) والتنبيه أيضا إلى أنه يطلب في الصفحة قبل الأخيرة من مذكرته الباهتة غير المرقمة إلغاء الحكم، وفي صفحتها الأخيرة يطلب نقضه جزئيا دون أن يوضح مدى تلك الجزئية!
ثم أنتقل ثانيا: إلى تقديم وتفصيل وتأصيل أسباب طعننا في الحكم الطعين بإيجاز، وهي:
 خرق متابعة ومحاكمة موكلنا، والحكمين الصادرين ضده، للمادة 93 من الدستور، التي تنص حرفيا على ما يلي: “لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى. لا يتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الجمعية الوطنية التي تبت بتصويت عن طريق الاقتراع العلني، وبالأغلبية المطلقة لأعضائها. وتحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية”.
 خرق الحُكمين لقراري المجلس الدستوري رقمي 007/2023 و009/2024 اللذين يلغي أولهما الفقرة من المادة 47 من قانون مكافحة الفساد المتعلقة بحصول القضاة على نسبة مئوية من ناتج الأموال المستردة والمصادرة؛ وهو ما يرتب بطلان ما تم من عمل قضائي في ظل تلك الفقرة. ويقول الثاني في مادة وحيثية منه:
– “المادة 2: إن الفقرة ب/1 من المادة 2 من القانون رقم 014/2016 الصادر بتاريخ 15 إبريل 2016 لا تتعارض مع الحقوق والحريات التي تمنحها المادة 93 من الدستور لرئيس الجمهورية”.
– “وحيث إن الحماية الممنوحة لرئيس الجمهورية أثناء تأدية مهماته بموجب المادة 93 من الدستور لا تتأثر بما ورد في الفقرة الطعينة”.
 خرق الحكمين للمادة 87 من الدستور ونصها: “لا يصدر أو ينفذ حكم أقر المجلس الدستوري عدم دستوريته.. تتمتع قرارات المجلس الدستوري بسلطة الشيء المقضي به.. لا يقبل أي طعن في قرارات المجلس الدستوري، وهي ملزمة للسلطات العمومية وجميع السلطات الإدارية والقضائية”.
 تزوير إرادة البرلمان، والافتراء عليه بادعاء صدور تقرير واتهام عنه، واعتبارهما أصل هذا الملف (الصفحة 5 من الحكم الطعين). في حين أنه لم يصدر قط أي تقرير أو اتهام من البرلمان! وهذا تحريف صريح لوقائع القضية.
 تزوير وتدليس تنفيذ التكليف الموجه من وكيل الجمهورية إلى مدير شرطة مكافحة الفساد بغية فتح بحث ابتدائي حول المشمولين في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية المزعوم، وتحويله إلى فتح بحث ابتدائي حول ممتلكات محمد ولد عبد العزيز وأفراد أسرته ومحيطه! في حين أنه لا علاقة لموكلنا بذلك التقرير الذي تم سحبه وحجبه عن القضاء!
 مصادرة جميع ممتلكات موكلنا وأفراد أسرته ومحيطه بالباطل، لحد الاستحواذ على مخصصاته كضابط سام متقاعد، وكرئيس سابق، حتى لم يترك له ولأسرته ما يعيشون عليه. وذلك:
– بأمر من وكيل الجمهورية ينتحل فيه صفة القاضي الجالس المختص،
– تلبية لدعوة علنية من قيادة الحزب الحاكم.
– بدون حضورية.
– تحت العسف والتعذيب والإرهاب.
 تعهيد فريق تحقيق عاجز، وغافل لحد خرق المرسوم المنظم له؛ وهو المرسوم رقم 017/017، ويتبع تعليمات وتوجيهات وكيل الجمهورية، واتخذ أزيد من 60 أمرا في حق موكلنا مخالفة كلها لصريح القانون ومنسجمة مع طلبات النيابة (التعليمات) المخالفة للقانون! واعتدى على حرية موكلنا فحبسه بالباطل، وعلى ممتلكاته وممتلكات أفراد أسرته ومحيطه تنفيذا لأوامر النيابة.
 رَفَض الاستماع إلى أدلة النفي خرقا للمادة 73 ق إ ج.
 خرق إجراءات الإشعار بنهاية التحقيق وختم التحقيق المواد 173، 174، 175 قانون إ ج!
 أصدر أمرا بالإحالة خال من أي دليل خرقا للمادة 176 من نفس القانون!
 تعهد محكمة غير مختصة بقوة المادة 93 من الدستور!
 قامت بحبس المتهمين حبسا تحكميا خرقا لترتيبات المواد 256 من قانون الإجراءات الجنائية.
 تبنت طرفا مدنيا مزعوما في دعوى لا مركز فيها لطرف مدني؛ طرفا مدنيا مزعوما لا مصلحة له، ولا صفة، ولا تفويض ممن يدعي تمثيله، ولم يقم بأي إجراء من إجراءات القيام بالحق المدني، ولم يقدم بينة واحدة على حصول أدنى ضرر لمن يدعي تمثيله! طرفا مدنيا يزين ويحلل ويبيض انتهاك الدستور وخرق القانون! طرف مدني هو من اختلق الدعوى وفصلها وأفتى بها وواكبها، خدمة لمصالح أحزابه، ولمصالحه ومصالح المفسدين! طرفا مدنيا يبتز المحاكم بقربه من السلطة وعلاقته بالمخابرات ومعرفته للجواسيس من القضاة والمحامين حسب صرح به قائده أمام المحكمة الأولى!
 رفضت الاستماع إلى أدلة نفي موكلنا.
 رفضت تنفيذ قرار المجلس الدستوري ذي الرقم 007/2023 القاضي بعدم دستورية فقرة من المادة 47 من قانون مكافحة الفساد أشرنا إلى مضمونها آنفا.
 حكمت دون دليل فيما ليس من اختصاصها!
 تعهد محكمة استئناف غير مختصة هي الأخرى بقوة المادة 93 من الدستور! ومشكلة تشكيلا فاسدا (انظروا مذكرة طعننا). وسبق لرئيسها أن عرف القضية كمتهِم وقاضي نيابة!
 سجنت موكلنا المستأنف خرقا للمادة 470 من ق إ ج.
 رفضت تنفيذ قرار المجلس الدستوري رقم 09/2024 بتاريخ 5 دجمبر2024 حين قررت صرف النظر عن طلبنا منها الخضوع لذلك القرار والالتزام بما حكم به.
 رفضت الاستماع إلى أدلة نفي موكلنا اقتداء بالمحكمة الأولى بدل تلافي ما أخلت به.
 حرمته من الحرية والعلاج الذي أوصى به أطباؤه ومن جميع حقوق السجين!
 حكمت بالباطل فيما ليس من اختصاصها!
وما ذكرناه قليل من كثير!
4. وبخصوص طلبات موكلنا. فنحيطكم علما بأننا نتمسك بالطلب الوارد في مذكرتنا؛ وهو: “قبول الطعن بالنقض شكلا وأصلا، ونقض القرار الطعين، والتصريح بعدم اختصاص القضاء العادي بمحاكمته”.

سيدي الرئيس، السادة أعضاء المحكمة الموقرة،

إن وطننا الغالي الذي لا نملك غيره (موريتانيا) يوجد اليوم في خطر عظيم بسبب ما ارتكب في هذا الملف المختلق الملفق من موبقات، وما استبيح فيه وبه من محرمات ومنكرات. وخروجنا من دائرة هذا الخطر مرتبط ارتباطا عضويا بالقيام بإصلاح ما فسد بسبب هذا الفساد في الأرض. وإن أولوية الأولويات في إصلاحنا هي إعادة الاعتبار للدستور والقانون والعدالة، ولباقي مؤسسات الجمهورية الإسلامية الموريتانية المستباحة!
نحن الآن في دورة من دورات الزمن العنيد. وكل شيء هالك إلا وجه الله الكريم. و{من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها}!
وإن الخيارات المتاحة لمحكمتكم الموقرة في مثل هذا الوضع العصيب قليلة جدا؛ فهي:
1. إما احترام وإعمال الدستور والقانون وقرارات المجلس الدستوري، ونقض وإلغاء القرار الطعين، والقول والحكم بعدم اختصاص القضاء العادي بالنظر في هذا الملف! وبذلك يتحقق العدل، ويولد الأمل، وتعود الثقة شيئا فشيئا في الدولة ومؤسساتها وبين الناس حاكمين ومحكومين، وتشرق شمسنا من جديد!
2. وإما مواصلة نهج الفوضى والدمار واختطاف وتسخير العدالة في خدمة الفساد والظلم الذي من نماذجه الحكم الطعين. وبذلك يزداد الأفق اسودادا وانسدادا، ويخيم الظلام، ويظل المستقبل على كف عفريت!

وفقكم الله جميعا وسدد خطاكم لما فيه خيرا الدنيا والآخرة.
والسلام عليكم ورحمة الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كانت هذه الملاحظات في طريقها للعرض أمام الغرفة الجزائية في المحكمة، قبل أن يترأسها شططا رئيس المحكمة، بدل رئيس الغرفة، وينسحب دفاع الرئيس محمد ولد عبد العزيز احتجاجا على ذلك الحدث المريب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى