هوس العودة L’obsession du retour(ح7)
…كانت نواكشوط لا تزال مدينة شابة،سكانها في أغلبهم قادمون جدد.إعلان الإستقلال وقع تحت خيمة،لم تكن هناك مباني تقريبا.أغلب السكان لم يبدأ النزوح إلى المدينة إلا مع سنوات الجفاف الشديد الذي ضرب البلاد مابين 68 و74لا يزال سكانها يحتفظون بعادات الضيافة التقليدية الإفريقية الجميلة وأغلب الطلاب والتلاميذ يعيشون في رخاء،يأكلون وينامون دون مصاعب،عالقين في أسرهم منتهزين واجبات علاقات القرابة البعيدة والصداقة والتكافل،كان ذلك بمثابة ضماننا الاجتماعي.
لم يفلح الجفاف الشديد والنزوح في كسر ذلك التعاضد الرائع،الذي على العكس من ذلك تجذر في أعماق المدنيين الجدد.انتشرت نواكشوط بسرعة وضاق الفضاء.تمددت الأحياء الجديدة بصورة فوضوية والضواحي في الأحياء الجديدة ،المعروفة بالكبة ،التي بدأت تتكاثر على وقع القادمين الجدد ،الذين دفعهم النزوح إلى المدن الكبيرة،وكانت نواكشوط تبدو الملجأ الأسهل.
هكذا استقر والدي أحد أعين الفلان الذي ظل يملك عشرات الأبقار،استقر في المقاطعة الخامسة،سنة 1977 في كوخ صغير.كان ذلك على بعد حوالي مائة متر من وقفة الباص الأخيرة.خمس سنوات بعد قدومه الكارثي إلى العاصمة 1972.لقد فقد كل قطيعه.
كان عليه ترك أسرته في ألاك والألم يعتصره ليجمع دراهم معدودة من خلال العمل في الحراسة.وفي نفس الوقت كانت أمي تبذل جهدها لتكمل ضروري الحياة اليومية،من خلال القيام بغسيل ثياب سكان ألاك القلائل الذين صمدوا أمام العاصفة المناخية ،او الموظفين الجدد المنحدرين الطبقة الوسطى الجديدة.
ألاك بداية سبتمبر 86
“كريم !
– نام ،نام (نعم نعم)،رد أخي الصغير وهو يدخل في الغرفة،وكأنه يبحث عن أدنى حاجة لأخيه الأكبر.
– إذهب إلى أنكرتا وقل له إني هنا وأني أنتظرهم.
– آي”.
لقد البارحة متأخرا ولم أستطع اللحاق بأصدقائي ،المجتمعين كالعادة عند بيت أحدهم.كان علي أن أبقى قبل كل شيء قرب أسرتي،للتحدث حول غيابي المقبل.ولكني أعرف أن أصدقائي سيأتون فور سماعهم بمقدمي.ذلك جزء من عاداتنا.أول ما يقدم أحدنا من السفر نتجمع أوتوماتيكيا في بيته.يجب قضاء اليوم على الأقل معه في منزله ،قبل أن يبدأ التناوب،من بيت إلى بيت ومن حي إلى حي،حسب إمكانية لقاء جيلنا من البنات.كان من النادر بل من المستحيل أن يبق أحدنا وحده دون صديق أو أثنين أو ثلاثة أو المجموعة كاملة إلى جانبه.في بعض الأحيان نمضي الليل معا خاصة إذا كنا جيران أو من نفس الحي.هذه الظاهرة تستفحل أكثر في القرى ،حيث الجو مفعم بحرارة التقاليد.لم تقض مدينة ألاك الصغيرة على هذه العادات،بل قوت بعضها،حيث لا يزال الناس يتجمعون في الدفء العائلي.
هذا ما جعل أسرتي وأسر أعمامي وأخوالي،يسكنون في نفس الحي،المدينة،شمال مقر إقامة الوالي فوق التلة،حيث كان يسكن الحاكم الفنسي أيام الاستعمار،ليس بعيدا من بيت مور سيسي أحد مؤسسي المدينة.
بدأت والدتي تقلق لسفري المقبل،وتمطري بأسئلة أجد أجوبتها دون عناء.”أين ستسكن يا بني؟كيف ستعيش”؟أتفهم قلقها وأفعل كل ما يمنحها الطمأنينة.”بني ،هل سيكون السفر طويلا”؟
- لا،مجرد ساعات،لا تزيد على ثلاث كما يبدو
- ولكنك لا تعرف أحدا .ماذا ستفعل؟
- لا تقلقي أمي،لن تكون هناك مشكلة.سأكون برفقة طلاب قدماء يعرفون كل شيء،ثم إني لم أعد صبيا،سأتدبر مثل الآخرين”.
في ذلك الوقت دخل أصدقائي في فناء البيت وانقطع الحديث لصالح السلام على القادمين الجدد.
ذهبت أمي تحضر الشراب البارد،المحضر من اللبن الرائب المحلى والماء،”تيفام” بالبلارية و”أزريك” بالحسانية،الشراب المشهور والمنتشر بكثرة في موريتانيا،وخاصة في مجتمعات البيظان والفلان.بعد السلام ،بدأ بعض أصدقائي في مداعبتي،بينما دخل الأرفع مستوى مباشرة إلى الغرفة.كانت تلك طريقة لبدء النقاش الذي سيحتل بالتأكيد حوار اليوم.
قال كارفا بأسلوبه الساخر المعتاد:أنا متأكد يا أنيريه أنك مستعجل على أن تغادرنا.
- هي،هل تظن فعلا أني مستعجل عنكم وعن أصدقائي وعن جو العطلة لأجدني في بلد غريب،حيث كل شيء جديد ،حتى أنا نفسي؟توقف أنت تعرفني جيدا لكي تعتقد في ما تقول.
- -“لا تهتم”،قال أنكرتا،”يبدو أن جميل،فبالإضافة إلى ظروف الدراسة الممتازة،هو دولة عربية صحيح،ولكن الطلاب الذين سبقوك يقولون إنه أفضل من الجزائر التي يبدو أن السود يعانون فيها من المصاعب.
- أه،صحيح !لقد التقيت للتو بطالب من كيهيدي،قادم من الرباط،ترك لي عنوانه وقال لي إنه لن تكون هناك مشاكل.
- آه،رأيت”،قال أنكرتا،”إضافة إلى أنه بلد الحسن الثاني ،صاحب الجلالة كما يقول الصحفيين المغاربة.
أنكرتا مولع بالإذاعة،وخاصة الأخبار.إنه يستمع للكثير من المحطات الأجنبية بتفوق …..يتواصل