ماذا تنتظرون؟
كم يكفي من الشهداء لتتألموا وتتكلموا؟ كم يكفي من أشلاء الأطفال الممزقة لتلين قلوبكم؟ كم يكفي من أنات الثكالى المفجّعة ليستيقظ في نفوسكم ضمير الرجولة؟ كم يكفي من برج يدمر على رؤوس العجائز والعذارى والرضع الخدج لتتحركوا؟ أطال عليكم الأمد فقست قلوبكم..؟ أم تتفرجون من أعالي بروجكم النائمة الحالمة على مسلسل مكسيكي مدبلج أو على فلم قديم من أفلام الحرب العالمية الثانية؟ يزجرونكم لأنهم يعرفون أن الخوف خير من الود، يهددونكم جميعا بلا استثناء: لا نريد توسُّع الحرب! هل فيكم من يستطيع أن يقول لهم: أنتم من وسعها ابتداء بنشر حاملات الطائرات وآلاف جنود “المارينز” ووحدات الكوماندوز الخاصة.. وتوفير الخبراء لغرف العمليات وقيادات الأركان.. ضاعفتم المساعدات المالية والعسكرية.. دجنتم الإعلام العنصري.. هرع رؤساؤكم لنجدة معتد بدا جبانا مهزوما.. فهل تكفرون ذنوب محرقة قديمة بمحرقة جديدة..؟
ماذا تنتظرون؟
هل تريدون أن تؤازروا العدو فتدخلوا الحرب ولما يأّذن لكم العم سام..؟ ألا تدرون أنكم تشاركون في الحرب بصمت أمرَّ من الفسفور الأبيض، يشد إزر من حاربوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم.؟. إن كان ذلك لا يكفيكم فلا تنتظروا، خذوا أسلحتكم واقصفوا بها غزة الكرامة والعز كما تقصفونها بصمتكم القاتل.. لكن خذوا حذركم لأن من لم يخف الأسراب والأساطيل النووية، لن يخاف قطعا من الحديد صدئت من حِقب الجبن في أقبية الاستسلام.
ماذا تنتظرون؟
نساء غزة لا يردن منكم الحرب كما يقلن.. لأنهن يعلمن أن للحرب رجالها! وإن كن يعرفن أنه لا يمكن للغرب أن يعري ظهره للشرق وينشغل عن عدوه الأقوى بحرب ضد مليارين من وزن الريشة في زمن الغثاء.. غثاء السيل… نساء غزة يردن فقط أن تقولوا ما قاله رئيس وزراء النرويج ووزير خارجية الاتحاد الأوروبي ووزيرة خارجية أسبانيا وكثير من منظمات اليهود وأحرار العالم ممن لهم ضمائر ومبادئ وشجاعة وماء وجه..
نساء غزة لا يردن منكم الحرب.. لأنكم خلقتم للراحة وجر الذيول والسهر في ملاهي التخلف.. يردن فقط موقفا يسجله التاريخ بأحرف من دماء الكرامة.. يردن منكم أن تتطهروا من طمث الخطيئة.. وحيض المخنثين… يردن فقط قطع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.. وفرنسا.. وبريطانيا.. وألمانيا… والتوكل على رب كريم.. يردن وقف إنتاج النفط الذي يمَوِّن مفاعلات ديمونة وطائرات الفانتوم ومكيفات خليج الخنازير.. ثم العيش بكرامة من تمر الصحراء ومائها البارد.. نساء غزة يردن إغلاق قناة السويس بدَل معبر رفح، ويعرفن وتعرفون أنها ستغلق لا محالة فور انتهاء مشروع حفر العدو قناته المنافسة.. يردن من دول الجوار توجيه أجهزة إرسال تغطي بالمواصلات شاطئ غزة الضيق، يردن من تحت الأرض مد أسلاك كهربائية وأنابيب مائية لتموين القطاع… يردن حفر أنفاق لفك الحصار عن غزة العز ونقل المساعدات الإنسانية وما لم تطوره المقاومة، بعْدُ، من صواريخ أرض – جو، لدحض الطيران العسكري.. نساء غزة لا يرضين لكم بالخنوع.. يردن منكم مجرد الطموح إلى الحياة الكريمة.. ويتساءلن هل فكر أحدكم مرة في تخصيب اليورانيوم..؟ يردن قبة حديدية من المواقف السلمية تدافع بجرأة عن حقوق شعب ليس له على “وجه الأرض أرضٌ” ولا شفيع جريء ولا صَدِيقٍ شجاعٍ.. نساء غزة يشفقن عليكم ويخجلن مما ترددونه من كلام مربيات الحمام: عبارات عابرة تحاول الاستنكار الضبابي الخجول والمشفوع مذلةً بتأكيد حق المحتل في الدفاع عن نفسه ضد شعب أعزل ومحاصر، هو أباده وسلبه أرضه وجميع حقوقه..
لا تنتظروا.. واطلبوا من نساء غزة أن يصدرن لكم من إباءهن وشجاعة رجالهن ما يكفيكم لاتخاذ هذه المواقف السلمية النبيلة.. فكلها بسيطة وممكنة ورادعة.. لو كان الملك فيصل وجمال عبد الناصر وصدام حسين والختار ولد داداه على قيد الحياة… أما وقد انتقلوا إلى جوار ربكم ورب ربكم الأمريكي.. فقبِّلوا الأيدي الملطخة بدمائكم واسجدوا في صوامع قريظة وتحنثوا في محاريب آلهة “وول استريت”.. ثم أدوا تحية العجز والتبعية لقرار إعلان القدس عاصمة لإسرائيل وافتحوا الحدود ليوسع النجم السداسي حوزته الإقليمية من المحيط إلى الخليج؟
ماذا تنتظرون؟
وتعلمون أن المقاومة هي خط الدفاع الأقوى ضد احتلال جميع بلدانكم… إذا ما انهار هذا الخط الدفاعي، وذلك ما لا نرجوه من ناصر الحق بالحق، فأقرأوا الفاتحة على أرواح عروشكم وقصوركم قبل أن تزفوا حلائلكم إلى كل أحمق مطاع من قينقاع..! فماذا يستطيع الثور الأسود وقد أكل الثور الأبيض..؟
ذكروا كراسيكم المريحة وعروشكم الوثيرة ببشاعة بطش كسرى بالنعمان بن المنذر.. وفواجع هولاكو وكيف استبقى الخليفةَ المستعصم إلى أن استصفى أمواله وخزائنه وزوجاته وجواريه، ثم أمر التتار أن يوضع في غرارة، ويداس بالأرجل حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت العذاب…