في موكب الخالدين أيها البطل (الحلقة 2)
في تأبين الرفيق محمدٌ ولد عابدين/بقلم الأستاذ محمدٌ ولد إشدو
مؤتمر تاكوماجي التاريخي
في الأيام الأخيرة من شهر مارس سنة 1968 أي بعد سنتين من انتفاضة فبراير 1966، وطئت قدما فتى لبيرات الشجاع أرض غورغول الحبيبة لأول مرة.. وذلك للمشاركة في مؤتمر حركة القوميين العرب الذي عقد في قرية تاكوماجي في ضيافة الرفيق محمد عينينا ولد أحمد ولد الهادي، معلم مدرسة القرية، وكان أصغر المشاركين في ذلك المؤتمر سنا. والمشاركون في المؤتمر هم: سيدي محمد سميدع وأحمدُ ولد عبد القادر ومحمد المصطفى ولد بدر الدين ومحمدٌ ولد عابدين ومحمد عينينا ولد أحمد ولد الهادي (المضيف) وكاتب هذا التأبين. رحم الله من قضوا نحبهم منهم، ومد في أعمار الأحياء. إنه سميع مجيب.
ورغم صغر سن الفتى فقد اختاره الرفاق – لأسباب في طليعتها الكفاءة والانضباط والتفرغ والخفاء- لقيادة حركتهم السرية التي تجتاز منعطفا حاسما تمثل في تصويب نهجها السياسي وإعادة هيكلتها وفتحها أمام العناصر الجديدة التي أفرزتها ساحات النضال. وكان من أبجديات قواعد حركة القوميين العرب التنظيمية مبدأ “نفذ ثم ناقش” ويعني وجوب تنفيذ أوامر المسؤول فورا دون أي اعتراض؛ الشيء الذي يظهر مدى خطورة مركز القائد فيها.
وقد نجح الفتى في مهمته أيما نجاح؛ وخاصة حين تعامل هو ورفاقه مع انتفاضة عمال الزويرات بتلقف رسالة العمال واتخاذ حركتهم الوطنية الوحدوية قدوة وفرصة لجمع وتوحيد الشباب الوطني من كل المكونات، فجسد ذلك على أرض الواقع النضالي روح نهج تاكوماجي التي كرسها ورسخها نهائيا مؤتمر كيفه صيف 1969 الذي شهد ميلاد الحركة الوطنية الديمقراطية في شكلها الجديد.
وظل ذلك الفتى المتقد حيوية وحماسا يقود نواة الكادحين والحركة الوطنية الديمقراطية من حولهم، وينسق العمل الوطني الذي اتسع وتشعب فشمل الجبهة النقابية الملتهبة التي احتلت صدارة النضال سنوات 69 و70 و71 بقيادة كوكبة من أبناء الوطن البررة، أذكر من بينهم – على سبيل المثال- القادة: با محمود، المصطفى ولد بدر الدين رحمهما الله، أحمدُ ولد عبد القادر، محمدو الناجي، المصطفى ولد اعبيد الرحمن، لادجي تراوري، محمذن ولد باگا، دافا باكاري مد الله في أعمارهم؛ وحركات الطلاب والتلاميذ الصاعدة؛ وقطاع الإعلام؛ والتنسيق مع المنظمات الوطنية الديمقراطية الثورية الأخرى كجماعتي “ليبراسيون” و”المشعل”.
وقد عرفت الحركة خلال هذه الفترة بالذات، رغم مصابها الجلل بوفاة الرفيق سيدي محمد سميدع رحمه الله، انتشارا واسعا في معظم أرجاء البلاد، حيث نبتت خلاياها وحلقاتها في مدن عدة، وعاشت أحداثا جساما مثل تأسيس حزب الكادحين وصدور صحيفته “صيحة المظلوم” في الذكرى الثالثة لانتفاضة عمال ازويرات 29 /5/ 1971، ونصر 18 يونيو 1971 النقابي، وتحقيق الوحدة الطلابية بقيام اتحاد الطلاب والمتدربين الموريتانيين (U.G.E.S.M) في أغسطس 1971 الذي اندمج فيه كل من الاتحاد الوطني للطلاب الموريتانيين (U.N.E.M.AU) ورابطة الطلاب والمتدربين الموريتانيين (A.E.S.M) وتصاعد نضال طلاب الثانويات ورسوخ تنظيمهم الموحد؛ اللجنة الموقتة للعمل الثانوي (C.P.A.S) وقيام وحدة العمل الميداني بين الحركات الديمقراطية الثورية عبر لجان العمل الثورية في المدن؛ وخاصة لجنة العمل الثوري المحلي في انواكشوط (C.A.R.L) التي ضمت – إلى جانب الكادحين- قادة حركتي “ليبراسيون” و”المشعل” وقيادات الحركات الجماهيرية، ولجنة العمل الثوري في الشمال (C.A.R.N) واللجنة المحلية للعمل الثوري في روصو (C.L.A.R) كما عرفت امتلاك الحركة لأجهزة طباعة ونشر ومخابئ آمنة!
ولكنها عرفت أيضا تغير المشهد السياسي بدخول جماعة الشباب التكنوقراط في الحكومة، وتبني الدولة سياسة إصلاحية خجولة أخذت ببعض مطالب الكادحين، مثل مراجعة الاتفاقيات الاستعمارية المذلة مع فرنسا، والخروج من منطقة الفرنك الإفريقي التابعة لفرنسا، وإنشاء عملة وطنية. وأرادت أن يكون ذلك سقف الإصلاحات المنشودة، وسلت سيف القمع والتضليل دون سياستها، وأراد الكادحون المزيد، وإن كانوا لم يستوعبوا بدايةً الأهميةَ القصوى لتلك السياسة ذات الطابع الوطني! الشيء الذي أدى إلى مواجهة كسر عظم مصيرية بين الكادحين وبين نظام حزب الشعب! سنتحدث عنها لاحقا، وعن دور الفقيد خلالها؛ خاصة أنه تبوأ يومئذ – وبجدارة- إلى جانب دوره القيادي منصب “وزير داخلية” الكادحين ومقتصدهم في سني العسرة.
يتبع إن شاء الله.