مشروع الأديان الإبراهيمية الجديد
محمد يسلم المجود
مصطلح الأديان الإبراهيمية من المفاهيم الغامضة التي كثر الحديث عنها مؤخرا بين من يعتبره مشروعا في التقريب بين الأديان وإرساء قيم التسامح والعيش المشترك، وبين ما يرى فيه مشروعا خطيرا يوظف لتنفيذ رؤى واستراتيجيات الولايات المتحدة في في منطقة الشرق الأوسط وخاصة ما يتعلق منها بالمحافظة على أمن إسرائيل واستنباتها في الجسم العربي الإسلامي من خلال وسائل الدبلوماسية الروحية بعد أن أثبت الوسائل العسكرية عجزها في هذا المجال.
فما مفهوم مشروع الأديان الإبراهيمية؟ وما أهدافه؟ وما هي أدوات تنفيذه؟ وأين تكمن مخاطره؟ هذا ما تحاول المقالة الإسهام في إثارته، من خلال المحاور الخمسة التالية:
أولا: مفهوم الديانات الإبراهيمية (The Abrahamic Religions)
الحديث عن مصطلح الأديان الإبراهيمية يقتضي التمييز بين نوعين من التوظيف لهذا المصطلح الأول : توظيف هذا المصطلح في حقل دراسات الأديان والمقارنة بينها، وقد بدأ هذا المسار أول مرة منتصف القرن العشرين في الحقل الأكاديمي الغربي وخاصة بعد المقالة التي نشرها المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون عام 1949 تحت عنوان: “الصلوات الثلاث لإبراهيم، أب كلّ المؤمنين” ثمّ تحوّلت “الديانات الإبراهيمية” إلى حقل دراسات مستقلة بنفسها، تدرس فيه اليهوديّة والمسيحيّة والإسلامية، (الأديان الإبراهيمية) باعتبار أنها أديان بشرية تتفق جميعها على مرجعية إبراهيم الخليل الرّوحيّة والفكرية. ولن نقف في هذا المقالة عند توظيف مصطلح الأديان الإبراهيمية في حقل دراسة الأديان.
أما الجانب الثاني والأخطر فهو التوظيف السياسي لمفهوم الأديان الإبراهيمية في التأسيس لدين جديد تكون الكلمة الأولى فيه لليهود باعتبارهم أصحاب الحق الأصلي لأن المسيحية هرطقة يهودية، والإسلام ليس سوى نسخة معربة من اليهودية!
وقد ظهر هذا التوجه بصورة سافرة منذ نهاية القرن العشرين في دوائر السياسة الخارجية الأمريكية ضمن شعار جديد لحل النزاعات والصراعات القائمة على أبعاد دينية وخاصة بين المسلمين وإسرائيل وليعكس نهجًا جديدًا داخل علم العلاقات الدولية كانت أهم ملامحه ظهور مفاهيم جديدة؛ كالتسامح العالمي، والأخوة الإنسانية، والحب، والوئام، كمفاهيم جديدة مطروحة داخل هذا الحقل.
وقد استخدم مفهوم” الديانات الإبراهيمية” نسبة إلى إبراهيم عليه السلام نظرا لرمزيته واتفاق اليهود والمسيحيين والمسلمين على إجلاله.
ثانيا: أركان الدعوة إلى الأديان الإبراهيمية:
يمكن إجمال المرتكزات الأساسية لمشروع الأديان الإبراهيمية في العناصر التالية:
أولا: الانطلاق من محورية النبي إبراهيم عليه السلام، باعتبار أن ذكره يحمل القبول والتقارب، ويمثل المشترك بين الأديان الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية.
ثانيا: الميثاق الإبراهيمي المقدس: يسعى أصحاب هذا المشروع إلى جمع رجال الدين والسياسية في الأديان الثلاثة والتفاوض بينهم من أجل وضع دين جديد يؤسس للمشترك الديني بين الأديان الثلاثة وينحي الخلاف، على أن يجمع ما يتم الاتفاق عليه بين أعضاء اللجان المشتركة في هذا المشروع من عقائد في كتاب واحد، تطمح المؤسسات التي صممت المشروع ورعته إلى جعله كتابا مقدسا بديلا للكتب المقدسة الثلاثة: القرآن، العهد الجديد، العهد القديم.
ثالثا: الاعتماد على آلية دبلوماسية المفاوضات غير الرسمية كساحة لعمل وتعاون رجال الدين والسياسة لمناقشة القضايا الحساسة خارج الأطر الرسمية، تمهيدًا لإعلانها لاحقًا حال الاتفاق عليها، وتمهيد الساحة للإعلان عنها رسميًّا.
رابعا: أن السلام العالمي مدخله الأساسي هو الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط باعتبارها أساس استقرار العالم وفقًا لأنصار فكرة “الإبراهيمية” فالشرق الأوسط هو نطاق التطبيق للمبادرة.
ثالثا: أهداف الدعوة الإبراهيمية: الأهداف المعلنة الأهداف المستترة
يرفع دعاة الأديان الإبراهيمية شعارات معلنة ظاهرها فيه الدعوة إلى الأخوة والتسامح والعمل على ترسيخ الأسس المشتركة بين اليهودية والمسيحية والإسلام، مثل عقيدة التوحيد، والقيم المشتركة كالمحبة والإخاء والتسامح، والمقدّسات المشتركة، خصوصاً مدينة القدس، إضافة إلى شعار السلام العالمي وإنهاء الصراعات، وأما الأهداف المستترة فمنها:
1. اختلاق دين عالمي جديد تحت مسمى الميثاق الإبراهيمي تتوحد فيه الأديان على كتاب مقدس جديد.
2. اعتبار القدس بيتا مشتركا للعائلة الإبراهيمية (اليهود والمسلمين والمسحيين) على غرار “بيت العائلة الإبراهيمية في أبو ظبي”.
1. اعتبار اليهود أصحاب الحق الأصلي والتهيئة للتنازل المستقبلي عن مناطق واسعة من الشرق الأوسط بحجة أنها مناطق إبراهيمية ليست حكرا على جهة معينة، وتشمل أماكن مقدسة في مكة والمدينة والعراق والشام وتركيا وغيرها.
2. دمج إسرائيل عضويا في المنطقة العربية، وتجريم مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية والفلسطينية واعتباره نوعا من الإرهاب والاعتداء الوحشي غير المبرر.
3. تقبل وقاع الاحتلال والتنازل عن المقدسات الإسلامية بذريعة كونها تقع ضمن المظلة الإبراهيمية.
4. فتح الباب أمام التطبيع السياسي والثقافي مع إسرائيل وتمكينها مما عجزت عن الحصول عليه بقوة السلاح
رابعا: أدوات نشر الأديان الإبراهيمية
يوظف مشروع الأديان الإبراهيمية عددا من الأدوات تشمل مراكز البحث والدبلوماسية الروحية والجامعات العالمية في تنفيذ أجنداته من أبرزها:
1- القادة الروحيين:
ويقصد بهم الأشخاص المؤثرين في مجتمعاتهم ومن لديهم عدد كبير من الأتباع والمريدين وتعد القيادات الصوفية في العالم الإسلامي من أبرز المستهدفين للمساهمة في هذا المشروع نظرا للتسامح الصوفي مع الأديان الأخرى بحسب أصحاب هذا المشروع.
2- أسر السلام والحوار الخدمي:
وهي جماعات قاعدية تنتشر في الدول والمجتمعات التي تعاني من نزاعات دينية قائمة، وتهدف إلى حل النزاع عبر ضمانة تطبيق الميثاق الإبراهيمي المشترك، بينما يهتم الحوار الخمي بتقديم خدمات تنموية على الأرض تكفل التخلص من الفقر العالمي عبر خلق دخلٍ للأسر الفقيرة لتصبح من أصدقاء السلام العالمي.
3- الجامعات الدولية:
يشارك في تنفيذ مشروع الأديان الإبراهيمية عدد من الجامعات الدولية مثل جامعة هارفارد التي تمول وترعى تنفيذ مشروع “مسار الحج الإبراهيمي” الذي يرصد رحلة النبي إبراهيم من خلال إقامة طريق مشي طويل المسافة يتتبع رحلة إبراهيم عليه السلام منذ أربعة آلاف عام، ليرسخ لفكرة التراث الإبراهيمي المشترك بين إسرائيل ودول مختلفة.
4- منظمات الأمم المتحدة:
من وسائل تنفيذ مشروع الأديان الإبراهيمية الترويج له من خلال الأمم المتحدة حيث تم ربط فكرة مشروع الأديان الإبراهيمية بأهداف التنمية المستدامة باعتبارها تهدف لمكافحة الفقر العالمي عبر الحوار الخدمي، إضافة إلى دعم الأنشطة التي تروج للمشروع تحت شعار “السلام العالمي ” ومعا نصلي” و” الأخوة الإنسانية” وغيرها.
وفي هذا السياق قامت منظمة الأنروا التابعة للأمم المتحدة في فلسطين فور وصول “ترامب” إلى السلطة حذف عبارة “القدس عاصمة فلسطين” من المقررات الدراسية للصف الأول إلى الرابع الابتدائي بمدارسها لتحل محلها عبارة “القدس المدينة الإبراهيمية”، تمهيدا لخلق واقع جديد وبناء جيل جديد يؤمن بهذا الطرح.
وإضافة إلى ذلك يروج للمشروع في المؤتمرات والقمم الدولية: مثل مؤتمر دافوس، الذي تُعقد على هامشه لجنة المائة التي تهدف إلى الوصول للمشترك الإبراهيمي، والتقارب بين القيادات الروحية والساسية وتوفير سبل الدعم الممكن لها.
خامسا: خطورة مشروع الأديان الإبراهيمية
تكمن خطورة مشروع الأديان الإبراهيمية جملة أمور من أهمها:
أولا: الترويج لدين عالمي جديد لا تكون الكلمة العليا فيه للإسلام.
ثانيا: التباين بين الأهداف المعلنة والأهداف المستترة
حيث يروج المشروع لنفسه في إطار حل النزاعات وإرساء قيم التسامح ويرمي في الخفاء إلى تقديم دين جديد تكون الكلمة العليا فيه لليهود باعتبارهم أصحاب الحق الأصلي في الدين وفي المقدسات.
ثالثا: اعتبار اليهود أصحاب الحق في الدين وفي والمقدسات
وقد نشطت في هذا السياق حركة “أبناء إبراهيم”، التي تروج لضرورة إعطاء الحق في القدس لأصحابه، كما نشطت منظمات أخرى تطلب من الدول العربية التي سكنها اليهود التعويض لهم في ظل إصدار خرائط عن وزارة الخارجية الإسرائيلية تتحدث عن حقوق تاريخية لليهود في الدول العربية، خاصة في شبه الجزيرة العربية.
رابعا: الترويج لمشروع السلام الإبراهيمي
يتخذ مشروع الأديان الإبراهيمية وسيلة اتصال لتمرير الأفكار والرسائل بصورة غير رسمية إلى الشعوب العربية والإسلامية من خلال إنشاء شبكة دبلوماسية من رجال الدين في الأديان الثلاثة تكون مهمتها دعم مفاوضات السلام الجديدة بين إسرائيل والدول العربية، وتهيئة الرأي العام للحديث عن السلام الجديد
خامسا: التمكين لليهود ف القدس باعتبارها عاصمة للديانات الإبراهيمية.
خامسا: الترويج لإعادة قراءة النصوص الدينية وتوظيفها للتبرير السياسي.
إن مشروع الأديان الإبراهيمية وخاصة في جانبه السياسي الذي يوظف الدبلوماسية الروحية مشروع خطير يجب التصدي له من خلال دراسته على المستويين السياسي والديني وتبين أهدافه ومراميه المعلنة والمستترة والتمييز بين ما يمكن أن يقبل منه وما يمكن أن يرد ويرفض، وهي مهمة يتعين على الباحثين ومراكز البحث العربية الاضطلاع بها وتقديم السياسات البديلة إزائها كما يتعين على العلماء والمثقفين الالتفات له ودراسته دراسة علمية تمهيدا لتقديم الرأي الشرعي له بعد تصور أبعاده المختلفة.
المراجع:
استندت هذه المقالة إلى مراجع من أهمها:
– فتحي المسكيني، ” الإبراهيميون والعدم: السيرة الخفية للاستخلاف” منشور على موقع مؤمنون بلا حدود
– هبة جمال الدين، الدبلوماسية الروحية مسار جديد ومخاطر كامنة وسياسات بديلة لصانع القرار بحث محكم منشور في مجلة المركز العربي للتعليم والتنمية 2019
– هاني رمضان طالب، ” الإبراهيمية بين التعايش والسيطرة” منشور في مركز دراسات الوحدة العربية.
– Mark Silk, “The Abrahamic Religions as a Modern Concept”, in: The Oxford Handbook of the Abrahamic Religions. Oxford: Oxford University Press, 2015
– Cf. Francis E. Peters, The Children of Abraham (Princeton: Princeton University Press, 1986); The Monotheists: Jews, Christians, and Muslims in Conflict and Cooperation (Princeton: Princeton University Press, 1994)