موريتانيا: فلام و إرا او رابطة “ابطال” الكراهية
اعل ولد اصنيبه
في أغسطس 2008 أزيح الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله من طرف العسكريين. وبدأ معسكره يتنظم في إطار الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية (FNDD) ووضعت على رأس التنظيم وجوه سياسية وطنية على رأسها رئيس الجمعية الوطنية مسعود ولد بلخير والوزير أمين عام الرئاسة السابق، بيجل ولد هميد. المجلس الأعلى للدولة، اللجنة العسكرية القابضة على زمام أمور البلد، شعر بالإحراج من عدوانية الجبهة والكاريزما الطافحة للقائدين من لحراطين .
عندئذ عملت السلطة على تفجير صراع أجيال بين القيادتين القديمة والجديدة للحراطين، واستدعى الفريق محمد ولد الهادي، مدير الأمن الوطني، للعشاء كلا من أحمد ولد خطري مدير Procapec (مؤسسة تمويلات صغيرة)، وبيرام ولد الداه كاتب ضبط.
الفريق اقترح على ولد خطري الصراع مع بيجل في الترارزة وتعهد له بالدعم إلا أن هذا الأخير اعتذر عن المهمة، فهو لا يميل إلى تبني قضية لحراطين وقد نجح في مهنته من دون اللجوء إليها. واقترح على بيرام الوقوف في وجه مسعود واستجاب للطلب وتم عقد الاتفاق.
حصل بيرام على الدعم السياسي والمالي الضروريين للقيام بالمهمة.
في هذا الإطار قامت المواقع الإلكترونية والإسلامية منها أساسا (مكون من مكونات(FNDD) بتوفير الدعم الإعلامي لمنح الشهرة للقائد الشاب الباحث عن الإثارة وذيوع الصيت.
سيكون خطاب بيرام عنيفا، عنصريا، شديد الكراهية اتجاه البيضان ولم يدخر في أسلوبه أيا من قنابله الحارقة. أنجزت المهمة بنجاح. أما على مستوى المدبرين البيضان، محمد ولد عبد العزيز، رئيس الدولة ومحمد ولد الهادي مدير الأمن الوطني، فكانا راضيين عن أداء شريكهم.
واستخدمت من جديد “السكين السويسرية”. عندما قاطعت المعارضة الانتخابات الرئاسية رُشح بيرام لمنصب رئيس الجمهورية ومولت السلطة نشاطاته، وحصل في رئاسيات 2014 على نتيجة 9% ملفقة.
غير أن الأجهزة السرية لا تعرف الوفاء، إنهم أحيانا يتنكرون إلى “المراسلين الشرفاء” ويتخلون عنهم عندما تنتهي صلاحيتهم. عندما أحس بيرام بخيانة النظام حول حسرته وحنقه ضد “نظام البيضان”.
كان الرئيس عزيز كلما أراد أن يسكت معارضيه سبب لنفسه مشاكل جديدة، أكثر تعقيدا على المستوى الوطني. مول حركة ” إيرا ” ليضايق الرئيس مسعود، وسيسحب منه هذا السلاح لصالح القوميين الزنوج الموريتانيين ليوجه ضد المجموعة الوطنية ويفرض عليه أن يستسلم رافعا يديه للمفهوم العنصري لموريتانيا: دولة، وكيانن عنصريي.
أضف إلى ذلك أن الرئيس عزيز اعتمد فترة حكمه على خطاب شعبوي منددا بالهوة بين الأغنياء والفقراء: جزيرة من الرخاء وسط بحر من البؤس.
إن التواطؤ بين ” ايرا ” و “افلام ” جاء نتيجة تعاطيه المهين مع معارضيه. إنه هو الذي جاء بالإثنياتيين من فلان وتكارير من منفاهم في أوربا والولايات المتحدة مواعدا إياهم بفتح صفحة جديدة مع حركتهم يطبعها التفاهم والإدماج في الحياة السياسية.
كانت حركة ” افلام ” قد شهدت قبل ذلك “انقساما بين جناحيها المجدد الذي قرر انتهاز فرصة الفترة الانتقالية للعودة إلى الوطن والمتوقع في المشهد السياسي الجديد والجناح المتشدد من الحزب الذي كان يعتبر أن ظروف العودة لم تتوفر بعد” وفضل أهله البقاء في الخارج.
يد المساعدة التي مد لهم عزيز سببت فيهم انقساما جديدا ، فجزء من قيادة ” افلام ” بقي في المنفى والطرف الآخر الذي يشكل قيادة الحركة قرر تشريع الحركة وخوض السياسة داخل الوطن وهذا يعني حل الحركة وتحويلها إلى حزب سياسي : القوى التقدمية من أجل التغيير . (FPC)
وفي التحليل النهائي لم تعترف السلطات الوطنية بالقوى التقدمية من أجل التغيير (FPC). هذه هي الظروف التي جعلت ” افلام ” القديم يجعل من ” إيرا ” جناحه المسلح كما هو حال ” إيرا ” بالنسبة ل (sinn fein) .
بيرام : المخالف لسير الأبطال
تبنت قيادة ” افلام ” بعد خيبة أملها تبنت زعيم ” إيرا ” دون أن تعلن ذلك وسلمته أجندتها العنصرية وأسلوبها العملياتي ودفاتر عناوينها في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وخصوصا اللوبي الصهيوني، مصادر تمويلهم وعلاقاتهم في الصحافة الفرنسية والسنغالية.
وكعماد نار سيقتبس من ماهاتما كاندي «المتمرد صاحب القوة الهادئة” وسيتم تقليده في إحدى عملياته عندما قدم على حرق دفاتر التسجيل الاستعمارية وطلب من رفاقه أن يفعلوا مثل ما فعل “وقد خلد فلم Richard Attenborough بعنوان “غاندي ” الذي أخرج سنة 1982 وإعدام هذه الوثائق بالحرق باعتباره عصيان مدني دشن انطلاقة النضال ضد الاستعمار”.
من جهته قام بيرام، على مرأى ومسمع من الجميع، وتحت عدسات الكاميرا بحرق كتب الفقه المالكي المتهمة بترسيخ العبودية. وهي عملية استفزاز صادمة للضمير ومتحدية لمشاعر الجميع، الدينية والعقائدية، وانتهاك للحرمات.
لقد شكل هذا العنف إساءة جارحة لنفوس الساكنة وذكر بعهود الإعدام بالحرق ومحاكم التفتيش، عهد من عدم التسامح والتزمت عانت منه أوروبا قبل عهد الأنوار.
ولكن أوجه الشبه بين بيرام وغاندي تتوقف عند هذا الحد “فالنفس السامية” لم تكن عنيفة ولم توجه أبدا الشتائم للبريطانيين ولم تعمل على إثارة الكراهية ضدهم بينما جعل بيرام من كراهية البيضان مصدر إفادته.
وقع بيرام في تناقض صارخ: فخطاب العنف الذي هو عادة مقدمة للعنف الجسدي معززا بالكراهية العنصرية لا يمكن أن ينسجم مع الدعوة إلى احترام حقوق الإنسان التي ينطلق منها زعيم حركة ” إيرا”.
بيرام يقارن نفسه بمانديلا بطل تحرير السود في جنوب افريقيا والإطاحة بنظام التمييز العنصري!
مانديلا كان رجلا سياسيا معتدلا وواعيا وشتان ما بينه وبين الكراهية العنصرية فهي القطب الشمالي وهو القطب الجنوبي.
في الحقيقة بيرام ما هو إلا بطل الرسوم الكارتونية: “لماذا البيضاني يخاف من الماء” مؤلفة من طرف كمادو تورى وبتقديم من أمادو، وهما عناصر افلام. يتعلق الأمر بنقد لاذع وخبيث تم توزيعه في السينغال، يحكي فيه أن دماغ البيضاني دواء شاف وإليكم مقطعا منه:
الصورة1:
كولي وجهها اللطيف الثاني رفعته ومسحت دموعه:
أهدئ يا عزيزتي، لم نخسر كل شيء الأمل، مازال قائما.
الصورة2:
كما أخبرت بذلك زوجتك، ستعود ابنك إلى الحياة إذا دهن جسده بدماغ بيضاني.
الصورة3:
تم الاستحمام، الولد البيضاني الصغير بالرغم من تحذير أهله، حضر في الموعد وبعد أن قام بغطاسات في الماء حملوا عليه بالعصى ضربا على الرأس.
الصورة4:
انشق الرأس واحمر الماء بالدم
الصورة5:
التقط الأطفال الرأس وأسرعوا به ليعطوه للشيخ بيرام الذي كان ينتظرهم بترقب، ممتاز! شكرا يا أطفال.
الصورة6:
بيرام موجع القلب دهن منه بسرعة جسد ابنته فعطست ثلاث مرات متوالية وفتحت عينيها، انهضي يا بنتي.
إن الرسوم الكرتونية لتورى لا تتطلب شرحا فالصورة والحوار كافيان للتعبير بكل وضوح عما يسعى إليه ” افلام ” و ” إيرا ” ولحراطين بصفة عامة.
وفي هذا السياق أصبح النضال ضد مخلفات الرق «منطقة حرة” في موريتانيا، والطريق الأسرع لكل من يريد أن يصنع لنفسه مكانا تحت الشمس ويتم استغلالها بإفراط من طرف مثيري الفتنة الوطنية ومسوقي المصائب وتحويلها إلى ركيزة من ركائز النضال الإثني ـ السياسي ووسيلة لجمع الأموال.
عندما تصف الزائدة ” الفطرية لفلام ” بلدها بدولة الفصل العنصري العربية الإسلامية، فإن مدلول هذه المسبة يتجاوز حدود الشتم إنه إسقاط نفسي فرودي إنه كشف عن ما ينطوي عليه ما تحت شعور أعداء العرب، إنه تعبير عن حلم غير مؤمل، من يعرف مغنيي هذه الجوقة جوقة الشقاق، يدرك أن هدفهم النضالي الأخير هو دولة موريتانية من نوع جنوب إفريقيا في عهد ابييربوتا.
في جنوب إفريقيا العنصريون البيض يريدون العيش مع مواطنيهم السود في نفس الحيز ولكن في مكان منفصل، بيد أن إخوة مانديلا يناضلون من أجل إزاحة الجدران البانتوستان حيث حجزوا لأسباب عنصرية بحتة.
“حقيقة أسفل جبال البيريني خطأ وراءها” كما قال باسكال. في موريتانيا بلد الامتزاج، القوميون من الزنوج الأفارقة يرفضون الالتحام الوطني ويصفونه بسلب الهوية، وبدون أن يصرحوا بذلك يحاولون تشييد فصل عنصري مفاوض عليه وذا طابع مؤسسي: دولة ثنائية الهوية، تكون فيها الثروة والسلطة موزعتين بشكل دقيق بين الإثنيات ويسيطر فيه الغموض اللغوي لأن التفاهم الوطني فيها ليس على جدول الأعمال.
في مقابلة مشحونة بالكراهية والأكاذيب أعلن نقيض مانديلا للقراء الإسبانيين أن التمييز العنصري مازال يعيث فسادا عند الباب المجاور في موريتانيا: «ما يجري في موريتانيا يشابه ما وقع تحت نظام الفصل العنصري حيث تستغل أقلية لون البشرة لإخضاع الأشخاص، عنصرية دولة غير موثقة ومع ذلك لها شكل مؤسسي” كما يقال.
عادة، عندما يبدأ قائد ” إيرا ” رحلته عبر العالم فالهدف معروف. إنه تضليل البرآء والعودة مكرما بالجوائز وبالجيوب المنتفخة.
إن بيرام ونشطاء ” افلام ” يناضلون من أجل موريتانيا مزركشة الألوان ومفككة، من أجل تمييز عنصري يقدم باسمه برنامج ديمقراطي متحضر.
ماذا قدمت حركة ” إيرا ” في خدمة مناهضة العبودية حتى تحصل على كل هذه المكافئات الدولية؟، لا شيء ملموس ولاسيما داخل البلد في الأماكن النائية حيث يشتبه في أن تكون بقايا عبودية مختبئة، لا شيء سوى الضجيج، كثير من الصخب وهجمة فريدة من نوعها عنفا وكراهية ضد البيضان لم تشمل الزنوج الموريتانيين بالرغم من ماضيهم الاستعبادي المتجذر.
إن النضال ضد “العبودية” وضد “التمييز العنصري” في موريتانيا ضرب من الهتك سيكولوجي للرأي العام الدولي وتضليل مستخدم من طرف تحالف افلام ـ إيرا في دعايتهم الكاذبة لجرح إحساس الضمير الدولي وكسب تعاطف البلاد الأوروبية، تلك البلاد نفسها التي ساندت نظام البيض في جنوب إفريقيا في الوقت الذي كان العرب وفي مقدمتهم موريتانيا من أكبر مساندي نضال المؤتمر الوطني الافريقي (ANC) وزعيمها نلسون مانديلا.
إن افلام تتناسى أن الفلسطينيين والجزائريين وكل القوميين العرب: عرفات، ناصر، بن بله، بومدين، القذافي وآخرون، كانوا من أثمن حلفاء المؤتمر الوطني الإفريقي، وكل الحركات التحررية الإفريقية فمنديلا اعترافا منه بالجميل، زار الجزائر فور خروجه من السجن وقال قولته المشهورة: “الجيش الجزائري صنع مني رجلا” والسبب وراء هذا هو أن مناضلي المؤتمر الوطني الإفريقي حصلوا على التدريب والدعم اللوجستي والسياسي من بلد “المليون شهيد” في الوقت الذي كانوا محاصرين من طرف القوى الإمبريالية.
يجب القول إن القوميين الفلان ـ التكرور سقطوا في شباكهم. «إنهم تسببوا، نتيجة تعصبهم الإثني المفرط وتضخم الأنا الإثني عندهم، في خلق شرخ وطني واليوم أصبحوا يتحدثون عن تمييز عنصري لا يوجد إلا في أذهانهم.
ـ لحراطين الطامحين إلى فك الارتباط مع وسطهم الطبيعي البيضان، وبناء وسط آخر مكانه، غير عربي ثقافيا لأنهم زنجيي الشكل يريدون تقديم درس جيني إلى الخمس والثلاثين مليون من سكان جمهورية السودان ذوا البشرة السوداء وعرب اقحاح وللفينيقيين، وللمصريين القدماء وللنوبيين وللبربر الذين هم جزء من الأمة العربية وإن كانوا جينيا من غير العرب.
ـ الزنوج الإثنياتيين، أنصار حركة الزنجية التي أنشئت في الثلاثينيات من طرف سينقور وسيزير وهما محفزي «نزعة السود القومية”. إن نضال هؤلاء كان مبنيا على رفض سلب الهوية، وهو مفهوم لم يُستوعب كما ينبغي لإن البيضان ليسوا أوروبيين ولكن أفارقة بكل معنى الكلمة. ودعاة الزنجية هؤلاء يعارضون اليوم اندماج الأمة الموريتانية ويعتبروه مستحيلا.
اليوم وبعد نصف قرن من التعايش ما هي العناصر المهمة المكونة للهوية الوطنية الموريتانية التي يُتغنى بها بنغمات متنافرة ومشوشة؟
ماهي الخصائص المشتركة المؤسسة لهوية الشعب الموريتاني؟
سيجيب البعض الإسلام، ولكن هذا الدين نتقاسمه مع مليار ونصف من الأشخاص.
وفي الختام فإن المعتمدين على “لون البشرة” والذين يجعلون من التفكك الوطني هدفا استراتيجيا، هم لا سواهم دعاة الميز العنصري والنمو المنفصل.
اعل ولد اصنيبه
موريتانيا: إشكالية التعايش العرقي