بيوت الذاكرة: على موريتانيا أن تتحرّك

أحمد محمود جمال أحمدُ

قد تتحوّل بيوت متواضعة إلى صروح للذاكرة. فحيث كتب أديب، أو تأمّل عالم، أو حلم رجل سياسة، تبقى الجدران شاهدة على بصمة غير مرئية. هذه البيوت المتواضعة، التي خرج بعضها من رمال الصحراء، ليست مجرد حجارة صامتة، بل شواهد حيّة على تاريخنا.
في أماكن أخرى من العالم، تُحفظ هذه البيوت وتُرمَّم وتُحوَّل إلى متاحف. منزل ليوبولد سيدار سنغور، المسمّى «أسنان البحر» على كورنيش داكار، أصبح اليوم متحفاً حيّاً. منزل إميل زولا في مدينة مدان بفرنسا يعيد إحياء صاحب «إني أتهم». منازل أديناور وويلي برانت في ألمانيا تذكّر كلٌّ على طريقتها بلحظات مفصلية من التاريخ الأوروبي. وفي لندن، تحوّل منزل الأديب تشارلز ديكنز إلى متحف بارز. أما في جدّة، فقد حُفظت البيوت القديمة في المدينة التاريخية (البلد) كجواهر معمارية تشهد على ماضٍ عريق. والقائمة طويلة: في كل أنحاء العالم، أمثلة حيّة تبرهن على القيمة العالمية لبيوت الذاكرة. حتى المتاحف الشمعية مثل «مدام توسو» في لندن و«غريفان» في باريس تعبّر بدورها عن إرادة إنسانية لحفظ رموز التاريخ وإبرازها.
في موريتانيا، احتضنت بعض البيوت مكاتب وإقامات الرئيس الأول للجمهورية ورفاقه. لكن كثيراً منها اليوم ينهار ويُترك فريسة للنسيان. وهذا أمر غير مفهوم: فزوال هذه البيوت لا يعني ضياع ذاكرة الرجال فحسب، بل محو جزء من هويتنا الجماعية.
كل يوم يمر يزيد من هشاشة هذه الشواهد. إعادة تأهيلها هو ضمان لنقل التاريخ إلى الأجيال الصاعدة، وتوفير فضاءات حيّة للباحثين، ومنح بلادنا واجهة ثقافية وسياحية مشرّفة. غير أن هذا العمل لا يمكن أن يتم إلا بمشاركة المعماريين والمخططين الحضريين والمتخصصين في حفظ التراث، القادرين على الترميم بدقة واحترام للتقنيات المحلية.
ما الذي يعطّل المسار؟ هل هو اللامبالاة؟ أم نقص الإمكانات؟ أم غياب الإرادة السياسية؟ إن ترك هذه البيوت تنهار يعني ترك النسيان يبتلع ذاكرتنا.
لقد حان وقت الفعل. يجب على موريتانيا أن تطلق خطة وطنية لإنقاذ بيوت الذاكرة، بمشاركة الدولة والبلديات والمهندسين المعماريين والشركاء الدوليين. لأن إنقاذ هذه البيوت لا يعني ترميم جدران صامتة، بل حفظ ذاكرة حيّة تربط بين الخصوصي والكوني، بين اليومي والخالد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى