الفئويون الأفارقة في موريتانيا و”فرض ثنائية هوية الدولة”

د.أعلي ولد أصنيبه

إن الحملة الدبلوماسية المغربية من أجل استرجاع “أراضيها المغتصبة” لم تنجح رغم دعم الجامعة العربية وتحالف واسع من الدول وهكذا أصبحت موريتانيا دولة مستقلة تسعى لتلعب دور همزة الوصل بين إفريقيا السمراء والعالم العربي وهي” وظيفتها الطبيعية والثقافية ” حسب تعبير الرئيس المختار.
ومن الواضح أن المغرب لم يحسب الحساب الدقيق لمدى تصميم القوى الاستعمارية، فهذه الأخيرة بالإضافة إلى الرغبة في الاستقلال، المعبر عنها من طرف طيف واسع من الرأي السياسي، كانت لها أجندتها السرية و”سلاحها الإمبريالي”. كان ينبغي لها حسب هذا المخطط أن تبقى موريتانيا داخل إفريقيا الغربية الفرنسية حتي تحصل على “المعاملة المناسبة” وهذا يعني الاستخدام الحصري للغة الفرنسية واعتماد الفرنك الإفريقي عملة وطنية بالإضافة إلى عدة امتيازات أخرى اقتصادية واستراتيجية تجب المحافظة عليها للمستعمر القديم وتجلى هذا التوجه في الاتفاقية التي وقعتها موريتانيا مع فرنسا سنة 1961 في عدة مجالات بالإضافة إلى معاهدة الدفاع والمساعدة العسكرية، وأقر المختار بعد ذلك بمناسبة مراجعة الاتفاقيات أنها “في الصميم، كانت ذات مضمون استعماري جديد جلي” لأنها “كانت تحد كثيرا من استقلاليتنا وسيادتنا”.
والحقيقة أن موريتانيا لو كانت جزء من المغرب لن تسمح للفلانـ التكرور أن يطالبوا بدولة مزدوجة الهوية، أي دولة من عنصرين ينص دستورها على أنها تتكون من قوميتين، فالزنوج الموريتانيون وهم أقلية بالنسبة للموريتانيين العرب سيتضاءل وزنهم الديمغرافي داخل المغرب الكبير ولن يحصلوا من “المخزن ” على المرونة المطلوبة، لهذا كله تعلقوا باستقلال موريتانيا في الوقت الذي رفضوا فيه فكرة كيان وطني مندمج، الشيء الذي يعتبرونه ذوبانا، وتعلقوا بإقامة نظام فئوي عرقي أكثر تناغما مع فلسفتهم الإثنية الضيقة.
إن التحفظات التي عبر عنها أنصار ازدواجية الهوية في مؤتمر “ألاك” يث طالبوا بضمانات دستورية كشرط لمساهمتهم في بناء الدولة المستقبلية، طرحت على الطاولة من جديد في السنوات الأوائل من الاستقلال الوطني.
في هذا الإطار كان تحليل ممثلي الفئة الزنجية على النحو التالي: “كانوا يقولون إن القاعدة الديمقراطية التي تسمح للأكثرية بفرض رأيها على الأقلية، إن طبقت، ستسمح للبيض وهم أغلبية، أن يفرضوا في مجالات مهمة إجراءات تضر بمصالح الأقلية الزنجية”. ومن هذا المنطلق جاءت المطالبة بدولة من قوميتين على شكل فيدرالي لتفادي التجاوزات. وفي هذه الحالة “كان على الدستور أن ينص على تعيين نائب رئيس للجمهورية من مواطني الضفة وتكون له سلطة فعلية وبهذا يكون الجهاز التنفيذي ثنائي الرأس” وأيضا من عرقين.
وفي سنة 1962 تسلم رئيس الجمهورية المقترح التالي لمراجعة الدستور موجها من طرف “مجموعة ذات نفوذ من الزنوج تحدد فيه لأول مرة على الخريطة بشكل دقيق مناطق نفوذ كل من الإثنيتين البيض والسود”.

الديباجة
اتكالا منه على الله العلي القدير، يعلن الشعب الموريتاني، موزعا إلى إقليمين تسكنهما إثنيتان بيض وسود جميع أهلهما مسلمون، تصميمه على الاتحاد من أجل حماية حوزة أراضيه وضمان عدم المساس:
ـ بالحريات السياسية
ـ والحريات النقابية
ـ وحقوق وحريات الإنسان والأسرة والتجمعات المحلية
ـ والحريات الفكرية والدينية
ـ وحق الملكية الفردية والجماعية
ـ والحريات الاقتصادية والاجتماعية
ـوحرية الأقاليم المتحدة،
يعلن الشعب الموريتاني رسميا استقلاله وتشبثه بالحقوق الأساسية الواردة في إعلان حقوق الإنسان والمواطن بتاريخ 1789 وفي الإعلان العالمي ب تاريخ1948.
المواد الجديدة
العنوان الأول:
المادة الاولى: الجمهورية الموريتانية دولة فيدرالية، جمهورية، ديمقراطية، واجتماعية تتكون من إقليمين تحددهما طبيعتهما الإثنية والجغرافية:
ـ الإقليم الجنوبي ويضم:
مقاطعة ” روصو”، مقاطعة ” بوكى «، ولاية «كوركل “، مقاطعة امبود، مقاطعة كنكوصة وولاية كيدماغا.
ـ الإقليم الشمالي ويضم:
ولايات داخلت انواذيبو و آدرار وتيرس زمور، وإينشيري، ومقاطعات انواكشوط، بتلميت، المذرذرة ، ألاك ، ولاية تكانت، مقاطعة كيفه وولايتي الحوض الغربي و الشرقي.
المادة الثانية: هذين الإقليمين، في تعايش تم اختياره بحرية، يوحدون مواردهم وجهودهم في إطار الدولة الفيدرالية للجمهورية الإسلامية الموريتانية.
المادة الرابعة: اللغات الوطنية هي اللغات المحلية: الحسانية، البولارية، السوننكية، الولفية، ولغة بمباره، اللغة الرسمية: الفرنسية
المادة الخامسة: مؤسسات الفيدرالية هي:
ـ رئيس الدولة
ـ نائب رئيس الدولة
ـ الجمعية الوطنية
ـ السلطة القضائية
إن مشروع مراجعة الدستور هذا ينم عن إرادة واضحة لإفشال الدولة الموحدة، وإحلال دولة فيدرالية محلها وإبعاد اللغة العربية لتأخذ اللغة الفرنسية مكانها.
وهنا يجب التذكير بأن النظام الفدرالي المفضل لدى أطر الضفة يتطلب شروطا، لم تكن متوفرة آنذاك وهي أقل توفرا اليوم.
إن تعريف الفيدرالية هو أنها تتخذ “شكل دولة ذات سيادة تضم عدة كيانات إقليمية، تدعى دولة متحدة، تتمتع كل منها باستقلالية واسعة ونظام دولة متكامل يحترم مبدأ توزيع السلطات مع المستوى الفيدرالي «.

من المعروف أنه في ذلك التاريخ لم تكن توجد دولة في موريتانيا لا جنوبا ولا شمالا، أضف إلى ذلك أن اعتماد نظام من هذا النوع سيثير قضايا شائكة:
أين ستكون ” منطقة واشنطن “، أفي إقليم البيض أو إقليم السود؟ من سيترأس الفيدرالية زنجي أم بيضاني؟ وما هي اللغة الرسمية للدولة الفيدرالية؟ سنكون من جديد أمام وضعية مسدودة.
لو أن الزنوج الموريتانيين على الأقل، ظلوا مقيمين في بلدهم “فوتا «لانتشاله من التخلف الاقتصادي وتطوير لغاتهم وإقامة نظام اجتماعي غير إقطاعي وديمقراطي تسود فيه المساواة، على غرار ” الكتلان ” على سبيل المثال، لكان بالإمكان تفهم مطالبهم. إن الكتالانيين ين المطالبين باستقلال كاتالونيا بعد أن حصلوا على سيادة إقليمهم، موجودون على الأرض. إنهم لا يعيشون في أوربا ولا في باقي الأراضي الإسبانية ولكن في إقليم كاتلان، ولم يغادروه أبدا. إن الاستقلاليين في كاتالونيا صادقين مع أنفسهم ومع مواطنيهم فهم لا يهتمون بالسلطة ولا بالثروات الطبيعية الإسبانية. إنهم يسعون، قبل كل شيئ إلى التخلص من الاندماج في المملكة المتحدة الإسبانية للمحافظة على خصوصيتهم اللغوية والثقافية فهم مقتنعون بعدم إمكانية تكييف إسبانيا مع كاتلونيا ومع نظرة ممثليها الأثنية المتعصبة.
وبالمقابل فإن زنوج الفوتا المتعصبين لفئتهم يتجاهلون أنهم غادروا الفوتا مسقط رؤوسهم، جماعات للعيش مع إخوانهم العرب في إطار دولة موروثة عن الاستعمار.
هل من المنطقي أن تغادر أراضيك الفعلية إلى بلد آخر وتعمل على تكييفه مع نظرتك الضيقة؟ من كان متعلقا بخصوصيته عليه أن يحترم خصوصية الآخرين وفي مثل هذه الحالة فالحكم الطبيعي هو الخضوع لما تمليه قاعدة ميزان القوة الأصلي بين المركز والضاحية، ففي فرنسا “نافار” ليست هي المركز وفي بريطانيا بلاد “القًال” ليست هي المركز وفي مالي “تمبكتو” ليست هي المركز، فالأقلية هي الأقلية والأكثرية هي الأكثرية.
وبالرغم من أن محاولة مراجعة دستور 22مارس 1959لم تنجح، فإن الرئيس المختار بالمقابل ظل مطمئنا فيما يتعلق بقضية إرساء موريتانيا داخل إفريقيا السوداء; ستكون موريتانيا على التوالي عضوا في المجموعة (الفرانكفونية المعتدلة)، وفي المنظمة الإفريقية الملغاشية للتعاون الاقتصادي، وفي الاتحاد الإفريقي الملغاشي وفيما بعد في الاتحاد الإفريقي الملغاشي للتعاون الاقتصادي التي أنشئت في نواكشوط سنة 1964، ولو أنه كانت توجد منظمات شبه إقليمية أو قارية ثقافية لما تغيبت عنها موريتانيا إلا أن هذا النوع من التجمعات لا يوجد حتى الآن في إفريقيا.

تعريب أو تزنيج؟
إن البيضان لم يطلبوا يوما من مواطنيهم من فلان ـ تكرور ـ وسوننكى و ـ وولف أن يصبحوا عربا ولم يجلبوا في يوم من الأيام عربا من خارج الحدود للرفع من حجمهم الديمغرافي.
المستغرب إذن أن يتحدث البعض عن تعريب قسري ونحن نعلم أنه من الاستقلال إلى هذا اليوم لم يحدث أن أصبح عربي قادم من المغرب أو الخليج أو الشرق الأوسط وزيرا أو موظفا ساميا أو قائد أركان الجيش أو الدرك أو الحرس ولم يجند داخل الجيش أو قوى الأمن أي ضابط أو ضابط صف أو جندي بسيط قادم من الدول العربية ونفس الشيء ينطبق على الوظيفة العمومية.
ولكننا لاحظنا موريتانيين من أصل إفريقي غربي ومن فئة “تكارير” خصوصا ومن أصل سنغالي تبوأوا مناصب سامية إلى أن حاولوا الوصول إلى رئاسة الجمهورية.
ونذكر من بين هؤلاء على سبيل المثال أول مرافق عسكري للرئيس المختار المقدم “اديالو ” وهو من مالي، وأول سفير موريتاني في باريس كان مامادو تورى الذي أصبح فيما بعد وزيرا في حكومة عبد ديوف في السينغال.
ومن الوارد أن نذكر أيضا أن أول سفير لموريتانيا في السينغال كان من فئة “فلان ” و”تكولير” ولم يكن الرئيس سينقور مرتاحا لذلك وقد أسر بذلك للرئيس “مختار”. وأهم من هذا كله أنه، من بين المائة وخمسة أحزاب التي عرفتها الساحة السياسية الموريتانية، لا يوجد حزب بقيادة مغربي أو جزائري أو عراقي متجنس موريتاني ويطمح إلى انبعاث بلاد شنقيط. في الحقيقة كان بإمكان أي مواطن من غرب إفريقيا الحصول على الجنسية الموريتانية ولم يكن ذلك يتطلب أكثر من طلب يحمل طابع بريدي ب 50أوقية، أي مبلغ أزهد من بقشيش.
إن التناسب الديمغرافي لم يكن من اهتمامات النخبة وقيادات العرب الموريتانيين. إنهم كانوا ومازالوا أكثرية بالرغم مما تدعي الدعايات الكاذبة لحركة قوات تحرير الأفارقة الموريتانيين (افلام).
عند أول وهلة، ظهر في بيان التسعة عشر الذي وزع إبان أحداث 1966 العنصرية ما يلي:
“نحن ننكر وجود أغلبية من البيضان”.
وبالإضافة للحجة السياسية القائلة بالانتماء للسكان الأصليين أو شعار “كنا هنا قبلكم”، يطالعنا نشطاء افلام بكذبة أخرى: “نحن أكثرية ومنذ القدم”
إن المناضلين السود يعرفون أن كل هذا كذب ولكن لا يهمهم لكونهم يتأسون بالإرشاد المأثور عن وزير هتلر النازي جوزيف قوبل القائل: “كلما كانت الكذبة فاحشة كلما سهل تصديقها “. هذا ممكن ولكن ليست هذه الكذبة بذات.
أبسط استنتاج يكفي للإقناع بزيف هذا الادعاء: فحسب مشروع الدستور المقترح سنة 1961 من طرف ممثلين عن سكان الضفة:
يضم إقليم الجنوب:
مقاطعات روصو، بوكى ، امبود ، كنكوصة ولاية كوركل وولاية كيديماغا
ويضم إقليم الشمال:
ولايات داخلت انواذيبو وآدرار وتيرس زمور وإنشيري وتكانت والحوض الغربي والحوض الشرقي ومقاطعات انوكشوط، بتلميت المذرذرة ، ألاك وكيفة.
بمجرد نظرة إلى التوزيعة المكانية المعروضة أعلاه، يتجلى لنا الوزن الديمغرافي لكل مجموعة مع ملاحظة هامة وهي أن جميع دوائر الجنوب هي أقاليم تواجد مشترك بين إثنيات هالبولار، سوننكي ووولف من جهة وإمارات الترارزة، البراكنة، وإدوعيش من جهة أخرى، وعليه فإن الزنوج الموريتانيين لم تكن لهم حصرية التواجد في منطقة النهر بينما يتمتع البيضان بهذه الخاصية في إقليم الشمال.
إن عدد المسجلين على اللوائح الانتخابية للانتخابات الرئاسية لسنة 2019 تقدم مؤشرات مفحمة على التناسب الديمغرافي بين عنصري العرب الموريتانيين والزنوج الموريتانيين:
الحوض الشرقي 152444مسجل
الحوض الغربي 120475مسجل
لعصابة 128483مسجل
كركل 109304مسجل
البراكنة 153885مسجل
الترارزة 167512مسجل
آدرار 45285مسجل
انواذيبو 67177مسجل
تكانت 45285مسجل
كيديماكا 74726مسجل
تيرس 26314مسجل
انشيري 17219مسجل
انواكشوط الغربية 97409مسجل
انواكشوط الجنوبيىة 113767مسجل
انواكشوط الشمالية 109142مسجل
المجموع 1428.867مسجل

تنبيه: إن القوميين الزنوج الموريتانيين كانوا حاضرين في السباق الانتخابي من خلال مرشحين هما “كان حاميدو بابا ” مرشح تكتل العيش المشترك، و “بيرام الداه اعبيد ” حرطاني ، مدعوم من طرف طيف واسع من ناحية الضفة.
شاءوا ذلك أم أبوه، “التكرور” أقلية وإذا أضفنا لهم “الفلان” ظلوا أقلية وإذا ما تجمع كل الزنوج الموريتانيين بقي وزنهم الديمغرافي دون وزن ” البيضان «وآمالهم المعلقة على لحراطين لن تتحقق لأن هؤلاء ليسوا من الزنوج، إنهم عرب، مثلما كان المماليك الذين هزموا التتار عربا، لكن هذا كله لأيهم دعاة.(FLAM)
إنهم يزرعون الغموض عمدا ويضيفون إلى تعدادهم كل من كانت بشرته سوداء بغض النظر عن لغته، وثقافته ومن أي موطن جاء، كل ما يهمهم هو سواد البشرة.
فيما يتعلق بقضية النسبة المئوية لكل مكونة، يمكن اعتماد المعلومات الواردة عن ” اباه ولد زين وAmbroise Queffélec لكون تقديراتهم تطبعها الواقعية وقد كتبوا: ” إن تجمع الناطقين بالحسانية يشكل مجموعة متجانسة ثقافيا ولغويا وتضم فرعين هما: أصحاب البشرة البيضاء أو البيضان (المفرد بيضاني) وأصلهم خليط من العرب والبربر ويمثلون تقريبا 40% من السكان. والمور السود أو ” لحراطين” (الفرد حرطاني) هؤلاء منحدرون من أجداد جلبوا من بلاد السودان عن طريق الغزوات، وقد أخضعوا للاستعباد وتم إدماجهم من طرف أسيادهم البيض وحصلوا بعدئذ على حريتهم. فئة لحراطين هذه تمثل هي الأخرى 40% تقريبا من السكان. أما مجموعة الزنوج الموريتانيين فتمثل تقريبا 20% من السكان وتتكون أساسا من أربعة أجزاء وهي الإثنيات المتواجدة بأغلبيتها في السينغال ومالي، الدولتين المجاورتين لموريتانيا. يتعلق الأمر ب: “الهالبولار” (وهم الناطقون بالبولارية) ويضمون “الفلان ” و ” التكرور” ويقيمون في كوركل ولبراكنة، السونينكى ويعيشون في كوركل وكيديماغا، “وولف” الذين يسكنون أساسا في منطقة “روصو” و ” البمبارى” وهم أقلية قليلة ويتواجدون في منطقة ” النعمة “. كل من المكونتين الكبيرتين تتمركز في منطقة معينة من البلاد، الزنوج الموريتانيون في الجنوب والبيضان في وسط شرق البلاد”.
زيادة على هذا فإن إحصاء 1929 الذي أجرته الإدارة الاستعمارية في وقت كانت المناطق الشرقية الشاسعة والمأهولة بشكل شبه كامل بالبيضان، لا تزال ملحقة بالسودان الفرنسي يؤيد ما توصل إليه هذان الخبيران (أنظر الجدول التالي).

إحصاء السكان والأنعام 1932
ملاحظة مهمة: سنة 1929لم تكن موريتانيا تضم الحوضين وجزء من لعصابة.

من جهة حركة فلام الانفصالية لا توجد أرقام تؤكد أو تنفي هذه الوقائع، بل تقدم فقط بدلها تحليلا سيسيولوجيا تدعي فيه أن الزنوج الموريتانيين أغلبية للأسباب التالية:
1ـ نسبة خصوبة أرفع في أوساط الزنوج الموريتانيين (حراطين ، سوننكى ، هالبولار ، بمبارى).
2ـ تعدد الزوجات الشائع، شبه حصريا في وسط السود
3ـ عدم استقرار الأسرة في البيضان وارتفاع نسبة الطلاق في مجتمعهم.
وهكذا نلاحظ أن التعارض بما أنه يدور خارج المنطق العلمي، فإن الخصام حول التناسب الديمغرافي سيبقى خصاما لانهاية له وقد يكون هذا هو المنشود من طرف الزنوج المتعصبين لإثنياتهم.

استحالة المساواة الإثنية
إن القوميين الزنوج الموريتانيين يفضلون دائما نظام أثنوقراطي لتسيير شؤون الدولة، إن هذه الفلسفة السياسية مازالت حاضرة ولها أنصار اندفاعيين يطالبون بتوزيع دقيق، وبالتساوي للسلطة وللثروة الوطنية بين الأعراق، كما لو كانت الجمهورية قابلة للتوزيع بين المجموعات، فالمادة الأولى من الدستور والمستوحاة من الدستور الفرنسي واضحة حول القضية الطائفية.
ـ تضمن الجمهورية لكافة المواطنين المساواة أمام القانون دون تمييز في الأصل والعرق والجنس والمكانة الاجتماعية
ـ يعاقب القانون كل دعاية إقليمية ذات طابع عنصري أو عرقي.
يظهر جليا من قراءة المادة الأولى من القانون الأساسي الفرنسي الجمهوري، أنه، يلغي الطائفية ويعتمد المواطنة، التي تقضي بأن الحقوق مخصصة للمواطنين بشكل فردي وأن المساواة هي بين المواطنين لا بين الإثنيات التي لا يخصص لها الدستور سوى الإنكار، وعدم الاعتراف بها بوصفها مؤسسة سياسية أو صاحبة حق.
في أحد الأيام، بعدما ضاق الرئيس فرانسوا هولاند ذرعا بانحراف خطاب فرنسي طغت عليه النزعة الشعبوية قدم نقطة النظام التالية:
“الجمهورية لا تعترف بالأعراق ولا بألوان البشرة ، إنها لا تعرف الطوائف، إنها لا تعرف إلا مواطنين أحرارا ومتساوين أمام القانون وهذا غير قابل للتفاوض”.
نضيف إلى توضيح الرئيس الفرنسي السابق أن الإثنية والشعب مفهومان غير متطابقين وغير قابلين لأن يستبدل أحدهما بالآخر، فدلالة أحدهما ليست سوى جزء من دلالة الآخر، ولذا فنحن نتحدث عن شعب وأمة فرنسا أو السينغال.. وهذا يعني مجموع المكونات الإثنية لكل منهما.
لنزعة القومية للفلان عابرة للحدود وتأتي تعويضا عن عدم الحصول على دولة خاصة بالناطقين بالبولارية. لذا نجد منظريها يناضلون أينما وجدوا على مستوى كل دولة من دول إفريقيا الغربية للحصول على الاعتراف بهم كإثنية بمثابة شعب ويجب أن تمنح لها الحقوق المعترف بها للشعوب. وبما أن الشعوب متساوية في الحقوق، فهم ينطلقون من هذا المفهوم، وينقلونه من موضوعه ليطبقوه على مستوى الإثنيات مطالبين بمساواتها في الحقوق.
لنفترض أن موريتانيا نصت في دستورها على المساواة بين مختلف إثنيات سكانها، هل سنطالبها أيضا بأن تقرر أن “فلان ” ” سوننكى ” “وولف” والعرب يجب أن يكونوا على نفس المستوى من العلم والثروة والفنية، والخبرة الرياضية والتجارية والصناعية ومن المهارة؟ من البديهي أن هذه الدرجة من التساوي مستحيلة.
إن الدولة مثلها كمثل الأسرة، ولا شيء يضمن أن أبناء الأسرة الواحدة وإن أخضعوا لنفس المعاملة والتربية الصالحة والملائمة سيكونون بنفس الدرجة من النجاح. هناك عناصر أخرى موضوعية لا دخل فيها لتأثير الحكومة، وتلعب دورا حاسما في تحديد مسار كل منهم لتفضي به إلى النجاح أو الفشل أو ما بينهما، ولكنه من واجب الدولة، وهذا سهل، أن تضع ضوابط لإقامة العدل والإنصاف وتكافئ الفرص أمام الجميع وأن تفرض احترام هذه القواعد لأن الدولة هي القوة الحامية والمشرفة على التوزيع والتنظيم. وفي هذه الظروف فإن المصعد الاجتماعي يجب أن يعمل بشكل طبيعي في خدمة كل المواطنين مع العلم أن هذا لا يضمن صعود الجميع. لأن هناك عوامل أخرى تجعل مجموعة تبرز وأخرى تتعثر. ونذكر من بين هذه العوامل: الدينامية، وروح المبادرة، والإبداعية، والمهارة والتاريخ والديموغرافيا إلى غير ذلك …
من يعرف إفريقيا يعلم أن هذه الإثنيات لم يكن لها نفس الدور في إنشاء واستقلال الدول، ولم تكن لها نفس الأهمية التاريخية ولا نفس الوزن الديمغرافي.
في مالي مثلا هل يمكن منطقيا أن نساوي بين بمباره وبوزو؟
ان تبني ذلك يشكل خطأ فادح في التقدير وجهلا للجغرافيا البشرية المالية. فبصفة عامة تطور الأمم لا يسير بنفس الوتيرة ولكن عجلة التاريخ دائمة الدوران.
فالعرب في مرحلة معينة سيطروا وتوسعت فتوحاتهم إلى أن وصلوا مدينة ابواتيي الفرنسية.
وفي القرن الثامن عشر والتاسع عشر هيمن الإنكليز والفرنسيون على العالم، وبعد الحرب العالمية الثانية أصبحت قيادة العالم في أيدي الأمريكيين والروس، وغدا سيأتي دور الصينيين وهلم جرا. لا يوجد حكم نهائي في هذا المجال فبالعمل وحده والإنجازات العظام تتمايز الشعوب وتتقدم وإنه من غير المعقول أن نحاول أن نسير أسرع مما هو متوقع وأن نفتح باب منافسة بعيدة من أن تكون متساوية الأطراف.
يطرح الزنوج الطائفيون، تلازما مع المساواة الإثنية، المساواة اللغوية ويعلنون أن اللغات متساوية، أما في هذه النقطة فإنهم مصيبون جزئيا، باعتبار أن تعريف اللغة هو أنها أداة تواصل وهذا صحيح، ولكن مستوى تطور اللغات يختلف وكذلك مستوى إشعاعها الدولي.
هل سيقودنا التعصب الفئوي إلى أن نضع ” لوكستان” أو ” الكاتالان” و ” التاهتيان” في نفس الدرجة من التأثير العالمي مع الفرنسية، وهي اللغة الكونية والمعمول بها في الأمم المتحدة والتي تحتل المستوى الرابع أو الخامس على لائحة اللغات الأكثر استخداما في العالم؟
إن الاندماج “هو انصهار أرض أو أقلية في كل الأمة ” ويمكن وصفها بكل الأوصاف إلا الإقصاء لأنه ” يختلف مع سلب الهوية والذي يؤدي إلى اختفاء كل خصوصية ثقافية “.
الاندماج يقوي الروابط الاجتماعية ويسعى إلى صهر الإثنيات في قالب واحد ليشكلوا أمة واحدة، متعددة الألوان طبعا، ولكن مع ذلك أمة متحدة.
وبعبارة أوضح إذا أراد مواطن ينتمي لأقلية ما أن يصل إلى منصب قيادة أمة بأمثل طريقة ديمقراطية، فعليه بدون تعقد أن يفعل كما فعل “باراك أوباما”.
فالرئيس الأمريكي السابق فهم الأمر، لقد أدرك أنه لا يمكنه أن يعتمد على 10%من المصوتين السود للفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وبوصفه ديمقراطيا خالصا غير متعصب لإثنية أو طائفة فقد تبنى الخيار الأفضل، خيار الاندماج. وهكذا تسلم مقاليد قيادة الولايات المتحدة وقاد العالم. إن أي ‘’ Malcom X’’ و مناضل أسود أمريكي آخر ما كان له أن يصل إلى هذه الرتبة بالاعتماد على تعصبه الزنجي وضيق أفقه وعدم قدرته على تصور مشاريع مستقبلية كبرى.
وعلى الضفة الأخرى لنهر السنغال سلك ماكي سال نفس الطريق باعتماده سلوك أوباما، لم ينطلق من انتمائه الإثني في استراتيجيته لكسب السلطة. إن ماكى التكروري كان من اتباع الولفي عبد الله واد وانتظر حتى أتت فرصته الوطنية في يوم
من أيام مارس .2012 واليوم هو رئيس جميع السنغاليين بكل إثنياتهم.
اعل ولد اصيبه
موريتانيا: إشكالية التعايش العرقي. ص 54-83

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى