تمخض الجبل ثلاثا، ولم يلد! (6)

أسئلة حائرة موجهة إلى "دفاع الطرف المدني"!

السؤال السادس: حول المادة 93 من الدستور
… وتطرق السيد النقيب في مؤتمره الصحفي إلى المادة 93 من الدستور فقال: “جرى الكلام عن المادة 93 من الدستور التي فعلا سنت أصلا لحماية رئيس الجمهورية في إطار مهامه. لكن عندما يخرج عن إطار مهامه الدستورية وتعود لا علاقة لها بالشأن العام وتكون قضايا تتعلق بالرشوة والثراء الفاحش وتبييض الأموال هذا النوع من القضايا ليست له صبغة سياسية”.
بادئ ذي بدأ، نذكر السيد النقيب – مرة أخرى- بأن تهمة الرشوة التي يصر دائما على إلصاقها بالرئيس السابق كلما تكلم، إنما هي من عنده هو، وعلى مسؤوليته الخاصة؛ وليست من ضمن تهم النيابة العامة والتحقيق، رغم ما يتصفان به من تشدد واندفاع وإسراف في كيل التهم الباطلة لموكلنا! ثم كيف نصنف قوله ضمن: “المسائل التي أحببنا أن نبلغ للصحافة وأن نبلغ للرأي العام حتى تكون القضية نور على علم ما فيها أي غبار”! حسب تعبيره؟ وهل كانت القضية كما أراد؟
وبصدد الحديث عن المادة 93 من الدستور، فإنه يقتضي وجوبا توضيح مسألتين جوهريتين هما: موقف “دفاع الدولة” من هذه المادة، ولماذا؛ وماهية المادة 93 نفسها!
أولا: موقف “دفاع الدولة” من المادة 93 من الدستور.
كنا نعتقد، يوم انطلق النفير من قصر المؤتمرات، وضج الصرح بجهابذة المحامين والنقباء (ستون محاميا يتقدمهم جميع نقباء الهيئة السابقين) وأساتذة الجامعات والصحفيين، وأُعْلِن “الزحف المقدس من أجل استرجاع أموال الشعب المنهوبة”.. أن لدى نقبائنا وعمدائنا وعلمائنا وأساتذتنا الأجلاء موقفا ثابتا ومحددا وموحدا من المادة 93 من دستورنا يمكن الركون إليه وإغناؤه وتمحيصه وتحكيمه من طرفنا جميعا في مناظرة حق وقضاء وقانون من شأنها – لو جرت حسب الأصول- أن ترفع شأن القضاء في بلادنا، وتصون الحق، وتضيف لبنة لا غنى عنها إلى صرح دولة القانون التي نحلم بها ونتغنى! خاصة أن هذه المادة تشكل حجر الزاوية في جميع الأنظمة الديمقراطية عموما – والرئاسية منها خصوصا- باعتبارها ضمان استقلال وسيادة مؤسسة الرئاسية، رأس الدولة!
ولكن سرعانما خاب أملنا خلال الدقائق الأولى من مؤتمر لفيف “دفاع الدولة” الصحفي حين أعلن في النقطة الخامسة من بيان تعهده: “إن الجدل المثار حول حصانة السيد رئيس الجمهورية السابق، التي استند القائلون بها على مقتضيات المادة 93 من الدستور جدل محسوم نهائيا؛ ذلك أن هذه الحصانة تنتهي مع انتهاء مأمورية السيد الرئيس، فهي ليست حصانة مرتبطة بشخصه؛ بل بوظيفته. وعليه يكون تحريك الدعوى العمومية في حقه بعد انتهاء مأموريته أمام المحاكم العادية أمرا واردا تماما”.
فالمسألة لم تعد ذات صلة إذن بالدستور والحق والقانون؛ بل هي تقديم “فتوى سياسية” إلى جهة انقلابية بجواز تحريك الدعوى العمومية المقرر سلفا ضد الرئيس السابق، والتضحية في سبيل ذلك بالغالي والنفيس!
أولم يقل هنري الرابع عند ما عرض عليه التتويج مقابل اعتناق الكاثوليكية: paris vaut bien une messe (تستحق باريس بجدارة إقامة قداس!) فما بالك بانواكشوط في أفق الغاز والتغابن والفوضى؟!
فحراك فتنة “المرجعية” المشؤوم الذي خططت له وقادته خلية انقلابية مكينة، لا صلة له بمحاربة الفساد، ولا بالحق والعدل والقانون! بل هدفه الإطاحة بالنظام الوطني التقدمي الذي أسسه وقاده بنجاح الرئيس محمد ولد عبد العزيز خلال عشريته الذهبية، ووأد النموذج الموريتاني الرائد الرائع في تداول السلطة سلميا، والانتقام من زعيم انحاز إلى الشعب وقاوم المفسدين وطرد إسرائيل، ومحاولة تلطيخ سمعته وتصفيته أخلاقيا وسياسيا، وجسديا أيضا! وبديهي أن يحتاج مشروع ضخم ومصيري كهذا إلى قوة ناعمة: بناء فوقي سياسي وقانوني يرعاه ويسوغه ويبيضه! ولأجل ذلك كانت “لجنة التحقيق البرلمانية” و”دفاع الدولة”!
ومع ذلك، لم تحظ النقطة الخامسة من بيان “دفاع الدولة” حول المادة 93 من الدستور بإجماعه! وقد ظهر ذلك جليا على الفور عندما سأل مدير أخبار الوطن السيد النقيب قائلا: “بعض فقهاء القانون يقولون إن المادة 93 من الدستور الموريتاني تقول إن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لا تمكن مساءلته إلا عن طريق محكمة العدل السامية؟ فهل هذا صحيح؟” هنالك دعا النقيب الأستاذ الدكتور محمد محمود ولد محمد صالح عضو اللفيف وصاحب الاستشارة القانونية التي أباحت متابعة الرئيس أمام القضاء العادي، ليرد على هذا السؤال الداخل في صلب استشارته! فاستعصم! واضطر النقيب إلى الرد، فقال حرفيا:
“إذن فيما يخص الحصانة، هذه الحصانة تم حسمها. تم حسمها بصفة نهائية في بياننا الصحفي؛ ذلك أن الحصانة لرئيس الجمهورية تتعلق بالوظيفة ولا تتعلق بالشخص.
إذن بإيجاز القضية تتعلق، الحصانة تتعلق بالوظيفة، وكل هذه الأمور لا علاقة لها، علاقة الفساد وما إليه لا يتعلق بوظيفة رئيس الجمهورية؛ فهي مسائل خارجة عن الوظيفة”.
وباستعصام الأستاذ الدكتور محمد محمود ولد محمد صالح وعزوفه عن الزج باسمه ومكانته العلمية واسم عائلته الكريمة في تبني موقف تجاوز حدود المنقول والمعقول، وتصدي النقيب لتلك المهمة الصعبة، أصبح لدى “دفاع الدولة” ثلاثة مواقف من المادة 93 هي: استشارة الأستاذ الدكتور محمد محمود ولد محمد صالح، والنقطة الخامسة من بيان اللفيف، ورأي السيد النقيب”. وهذا ما سنتناوله تباعا في الحلقات القادمة بإذن الله.
يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى