المعارضة سلطة مضادة أم حكومة ظل؟
من البديهيات في العلوم السياسية أن لا معنى للحديث عن الديمقراطية ، وعن العمل السياسي المنظم والشفاف من دون أن تلعب المعارضة دورها كاملا في العملية السياسية .
ذلك أن أهم قنوات التطور السياسي وحمايته من أي ضعف يتمثل أساسا في تفعيل قوى سياسية ” معارضة ” تمارس عملها بصدق وحرية تامة ، بغية مراقبة أداء الحكومة وممارسة عملية نقد موضوعي لأي قرار أو إجراء تقدم عليه السلطة التنفيذية ، ويترتب على ذلك أن وجود المعارضة في حد ذاته حالة صحية مؤسساتية ، وعدم وجودها ينطوي على مخاطر جمة ، قد تؤدي إلى إخراج المجتمع من مساره الديمقراطي .
وهذا يستدعي من الحكومة أن تدرك جيدا أن تقزيم المعارضة أو مجاملتها أو تمييعها بأي وسيلة – حتى ولو كانت ناعمة- يؤدي في النهاية إلى القضاء عليها وعند ذلك تنعدم القوة التي بإمكانها أن تقف في وجه صانع القرار ، وهذا المسار الأحادي يشجع على التفرد والتنائي ويؤدي حتما إلى المواجهة والعنف بغية استرجاع الحقوق الديموقراطية ، لذلك فإن المعارضة يمكن أن تكون صمام أمان ضد الانحراف وتحويل أي خلاف بسيط إلى صراع خطير .
ومع ذلك فان انتزاع المعارضة لأي مكسب يأتي عادة ثمرة لجهود مكثفة من الاحتجاجات والضغوط والنقد والاعتراض وإدانة التجاوزات واقتراح الحلول الملموسة أو البديلة ، بغية تمكين المواطنين من الاختيار بين برامج ومبادئ متعددة تسمح بتجديد النخب السياسية ، وتجعل من المجتمع شريكا مساويا للدولة ، ليس في الجانب المادي فحسب ، وإنما في الجانب الأخلاقي الذي تتم من خلاله مراقبة سلوك المسؤولين أثناء تأديتهم لمهامهم ، والمساهمة في علاج أي أزمة طارئة أو التقليل من انعكاساتها السلبية على الجماهير ، وبذلك تتحقق الوظائف العامة المنوطة بالمعارضة ، وهي التعبئة ، والتنمية، والاندماج القومي، ودعم الشرعية ، والتجنيد السياسي ، وعلى هذا النسق ستتجه هذه المعارضة إلى التجذر بعمق في مجتمع حر وعادل ، وعند ذلك يمكنها قيادة وتوجيه الجماهير وكافة عناصر المجتمع المدني، وبهذا المعنى تشكل المعارضة ” سلطة مضادة ” لا “حكومة ظل” ويكون عليها واجب الدفاع عن المبادئ الأساسية للديمقراطية والحريات العامة ، والتنافس الإيجابي في ميدان التنمية الاقتصادية والاجتماعية .
ومع هذا كله فإن المعارضة الموريتانية كان باستطاعتها أن تراكم الانشطة والفعاليات ، لأنها ليست مكبلة من طرف الحكومة ، بل إنها تتوفر في الوقت الحاضر على ما يلزم من الضمانات الدستورية والقانونية التي ستمكنها من القيام بأدوارها ومهامها ، التي ستحتاج إليها ، من أجل موازنة المتطلبات والتطلعات وتحويل ذلك كله إلى سياسات عامة ، ومن ثم توفير قنوات للمشاركة الشعبية والصعود بها إلى درجة من الرقي والتنظيم الفاعل ، لتحريك وتفعيل الجماهير بغية انتزاع القرار السياسي ، وتحويل آراء المواطنين إلى خيارات سياسية واقعية تخدم البلاد والعباد .
غير أن ثنائية المعارضة والحكومة التي يرافقها عادة الاختلاف في وجهات النظر حول بعض القضايا الوطنية ، ينبغي أن لا تخضع لمفهوم إقصائي يعتمد “إما معي وإما ضدي” بل يجب أن تحكمها ضوابط وقواعد واصول وآداب تحفظها من الشطط والفوضى وعلل النفوس والطواف حول الذات ، فلا يجوز أبدا أن يؤدي أي اجتهاد يهدف إلى خدمة الوطن والمواطنين إلى تباغض أوتدابر أوتقاطع ، لأن أخوة الدين ، والإنتماء للوطن الواحد ، وصفاء القلوب ، قد تسمو بالجميع فوق الخلافات الجزئية ” فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ” ، يقول فولتير: ” قد أختلف معك في الرأي ، ولكني على استعداد أن أموت دفاعا عن رأيك ” .