اللغة العربية في مواجهة طابور “إميليو مولا”
محمد ولد الراظي
قتلوا بدم بارد عشرات الآلاف من أساتذة اللغة العربية في إمبراطورية مالي… كان ذلك قبل قرون تسعة ……كانت تلك الإمبراطورية قوة عالمية تدين بالإسلام وتعتمد اللغة العربية لغة التجارة والإدارة والقضاء والمعاملات….قتلوهم لغرض قطع الحبل السري الذي يغذي قوة الإمبراطورية وتماسك مجتمعاتها.
السيف والرصاص في تلك الأيام أحسن وسيلة وأجداها للتخلص من قوة الخصم….واللغة هي رأس الحربة وهي الخصم وخط الدفاع الأول……هم يدركون جيدا ما تمثله اللغة في وحدة الأمم وقوتها وتماسكها لذلك استهدفوا العصب الناظم لإمبراطورية سوندياتا كيتا المزعجة…
تتغير الأحوال مع الزمن وتتنوع أسباب القتل ويتعدد اللاعبون وتزداد المنافسة بين قادة الغرب في إنتاج الموت وإذلال وإهانة وسلب ونهب شعوب العالم المغلوب….. و يصبح بالإمكان شل قدرات الطرف المقابل من خلال حروب لا تكلفة لها أو قليلة إن كانت ويصبح من القتل والتدمير ما هو أكثر فتكا وأعمق غورا…..فاستهدفونا بأبنائنا وذرياتنا وأدخلوا بذور الدمار الي داخل بيتا المنيع….. لغتنا والهوية
لم يقل مسؤول فرنسي يوما إن اللغة العربية قاصرة ومتخلفة لأنه إن كان له بها علم فسيقول بعكس ذلك وإن لم يكن كذلك فلن يكون مستعدا لإثبات ما ليس له به علم …… الكثير من أهل السياسة في الغرب يخشي المحاسبة إن هو كذب خاصة في أمور معلومة…..أما أهل الثقافة والفكر في فرنسا وغير فرنسا فيقولون في اللغة العربية ما تقتضيه الأمانة المعرفية ……وما خانوا ذلك
لقد واجهت فرنسا الرسمية اللغة العربية لا كعدو لذاته وإنما بسبب ما تمثله هذه اللغة من قدرة علي المنافسة الثقافية في وجه استمرار هيمنتها علي الشعوب المستقلة حديثا فسعت لإحتوائها لا بالمجاهرة بالسوء في حقها ولكن بنعومة شكلية قاتلة من خلال الفراكوفونيين المتماهين معها من أبناء تلك الشعوب ….
ولأن لها أذرعها المحلية من أبناء البلد ناطقين بالعربية وغير ناطقين بها لم تعد بحاجة في سلك مسالك وعرة وغير مضمونة…..فأوعزت لهؤلاء بفعل ما الذي عليهم فعله لإنقاذ اللغة الفرنسية “لغة الحضارة والثقافة وجماليات الأدب والفن والذوق الرفيع ولغة التقدم والعصر ” ولم يكن أحد منهم ليخيب الظن….يعرفون ما يقولون ولهم من يصغي لقولهم من أبناء وبنات البلد وباستطاعتهم أكثر من غيرهم تمرير الصورة الدونية التي يراد إلصاقها بالعربية بحكم افتراض استحالة أن يكونوا مظنة لعداء هذه اللغة…..تراهم ينشرون ثقافة مستهزئة بالعربية ومنتقصة من الخريجين بها ويفعلون ذلك بلبوس غيرة وحمية…..
هذه الأذرع الفرانكوفونية لدينا من عرب وغير عرب هي من يقوم بالدفاع عن الفرنسية والمحافظة عليها يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم …. “اللغة العربية لغتنا ولغة القرآن ونحن أهلها نصلي بها في اليوم خمسا ونزيد وخيرها خير لنا ورقيها وانتشارها لنا رقي ورفعة ثم يستدركون بحسرة مفتعلة لا تخلو من مكر وشيئ آخر.. إنها غير قادرة علي استيعاب العلوم والمعارف العصرية مما يجعلها غير معينة علي التقدم والنماء إن لم تكن معيقة له وعقبة في وجهه…………..وجبت الصلاة بها والدراسة بغيرها” !!!!!
عجبا لمن يقول إن اللغة العربية لا تستطيع استيعاب قاعدة في الرياضيات أو الفيزياء قال بها هذا و أخري في الكيمياء والطب والفلك استنتجها ذاك أو أخريات قال بها آخرون في علوم هذا الكون الذي لم يفصح إلا عن جزء يسير من أسراره عبر رحلة طويلة لسيرورة الإنسان وصيرورة العلوم التي كانت نبتتها الأولي عربية و عصارتها تراكما من المعارف والإكتشافات التي تنفستها بغداد وغيرها من حواضر المشرق أيام كانت العلوم كلها تنطق بالعربي !!!!
العقبة الكأداء أمام اللغة العربية هي هذه الجماعة الفرانكوفونية الوطنية التي تعمل لأجندات فرنسية كما كان طابور الجنرال “اميليو مولا” الخامس يعد العدة من داخل مدريد لتسهيل سقوطها أمام زحف الطوابير التي طوقت المدينة من الجهات الاربعة إبان الحرب الأهلية الإسبانية….
أملنا كبير وثقتنا كبيرة أيضا في أن القائمين علي الشأن العام لن يتركوا أحدا يعبث بلغة البلاد والعباد…….نعم لتطوير لغاتنا الوطنية وتأهيلها وتفعيل معهد اللغات الوطنية وإمداده بكل أسباب النجاح في مهمته ونعم لتدريس اللغات العالمية الأكثر انتشارا والأكثر استخداما في العلوم والتجارة والإقتصاد – وليست الفرنسية في صدارتها- ونعم مع ذلك لعدم إهمال ما لهذه اللغة من دور في التواصل مع محيطنا الجغرافي والقاري وما لها من دور في علاقاتنا الثقافية مع الفضاء الفراكوفوني (حينها فقط تكون لغة تواصل)…….وأخيرا نعم لإستشارة خبراء تربية لهم سمت وصيت لتقديم النصح والمشورة في ما نصت عليه وثيقة أيام التعليم التشاورية حول المقررات الدراسية في مجال اللغات….