أم الرحلات : قرآءة سريعة في رحلة مع الحياة للشيخ العلامة الدكتور محمد المختار ولد اباه ..

عبد القادر ولد محمد

لمحبي ادب الرحلات الذي برع فيه قديما و حديثا كبار العلماء و الباحثين و غيرهم من الادباء و الذي يعتبر من اهم مصادر المعرفة المستنبطة من رواية الثقاة لاحداث عاصروها سيكون كتاب رحلة مع الحياة مناسبة لسفر طويل يقود حتما القاريء بمتعة متنامية مع تقلب الصفحات من الشك إلى اليقين ..
فكيف لمن وقف على نعت البدايات في هذه الرحلة الكبرى التي تعتبر بمثابة ام الرحلات أن لا يشك في قدرة طفل رمت به الأقدار بين الكثبان الرملية في أحضان البادية قبل أن يكبر في رحاب المحظرة ان يفوق اهل المدن في مدنيتهم و ان يتفوق على اهل المدارس النظامية في نظاميتهم ..
صحيح ان البداوة ليست عيبا او كما قال الأمير عبد القادر الجزائري :ما في البداوة من عيـب تـذمّ بـه = إلّا المـروءة والإحسـان بالـبـدرِ .. لكن لا خلاف ان التصرفات البدوية المعروفة التي لا داعي لذكرها في هذا المقام كانت و مازلت إلى يومنا هذا معيقة لمشروع بناء الدولة المدنية ..
ثم أنه لا خلاف بأن التعليم المحظري و منهجيته المبنية على حفظ القران العظيم و الحديث الشريف و المتون و الاسانيد و امهات كتب الفقه و مدونات الفقهاء و دواوين الشعراء يعد بمثابة رأس مال و مفخرة وطنية لمورتانيا و قد اعتبر الكثير من مختصي مناهج التربية والتعليم في الدول الإسلامية و العربية و الغربية بان خريجي المحاظر الموريتانية كلهم بمثابة مشايخ . لكن الحقيقة المرة تقتضي القول بان جلهم لم يكلف نفسه عناء اكتساب الضروري من المعارف التي تمكنه من فهم ما يجري حوله وبقي منعزلا في برجه مقتنعا بانه وصل إلى أفق الحقيقة المطلقة ..
من ذلك البرج خرج الشيخ محمد المختار حفيد قاضي شنقيط و ابن شيخ الحي و شيخ أحياء زمانه و مكانه لينظر الى ما وراء الافق حيث رأى لأول مرة في الرمال آثار السيارة التي سمع عنها..
ووراء ذلك الافق خرج .تلميذ المحاظر على جمله الاسمر ليرى بعينه ما يقال عن الحياة في ابي تلميت حيث دخل عنوة في فصل اثناء التدريس لكي يفهم ماذا فعل الله بتلاميذ مدرسة النصارى …ثم تتسع بعد ذلك الآفاق شمالا و جنوبا عل ظهر الجمل الاسمر و كاني به ينشد بشاهد الارحال :
يا جملي هاه ال ننوى ## فالتاسدبيت الا جيبو
و ال يجملي موت اسو ## رانك ميت فالطاليبو …

فتتحقق النية و المطالب ماشاء الله تبارك الله احسن الخالقين ليتعقلن صاحبنا مع ركوب السيارات و الطائرات…و ليصبح طيارا علما و هواية كما تعقلن مع اللغات و مختلف العلوم الإنسانية… فكان دوره محوريا في انشاء الدولة الموريتانية التي انتمى إلى أول حكومة تشكل باسمها ايام ما يعرف بالاستقلال الداخلي قبل أن ينتفض مع مجموعة من رفاقه ضد ما رأوا فيه محاولة لعودة الاستعمار بثوب جديد .
. و حول هذا الموضوع سيجد المشككون ادلة دامغة على صدق الانتفاضة المدنية ضد الاستعمار و الاستعمار الجديد التي قادها كل من الزعيم احمدو ولد حرمه و الأمير الشهم محمد. فال ولد عمير و التي انخرطت فيها مجموعة من الاعيان و الشباب من امثال الدي ولد سيدي باب و الشيخ احمدو ولد سيدي و النقابي محمد احمد. ولد التقي و غيرهم و تبناها بطريقة أخرى حزب النهضة بقيادة الزعيم بوياكي ولد عابدين .. و سيتيقنون بعد القراءة من هشاشة الرواية الرسمية التي صنعت بفعل غسل ممنهج للادمغة .. و قي هذا السياق قام الدكتور محمد المختار بتفكيك الأساطير التأسيسية للدولة الموريتانية مبينا مكر المستعمر و سعيه إلى استخلاف نظام يخدم مصالحه مع الاحترام الكامل للأستاذ الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله و الاعتراف بميزاته كرجل دولة و الثناء عليه كصديق شخصي له و على علاقات الود و التقدير المتبادل بينهما..
هذا و قد اغتنم الدكتور محمد المختار مناسبة كتابة المذكرات لصياغة رد رفيع المستوى أخلاقيا و سياسيا على بعض المعلومات المغلوطة التي و ردت في مذكرات الرئيس المختار رحمه الله مشيرا إلى أنه قد لا يكون الرئيس هو من كتبها… كما انه انتهز المناسبة ليدافع عن مشروع رفاقه و عن ما تم الصاقه بهم من تهم زائفة بلغت منتهى الوقاحة عبر فضيحة جاسوس مفبركة .
و يبدو أن الرئيس الاستاذ المختار ولد داداه رحمه الله فهم خطورة ذلك الظلم للذي ارتكبته الدولة في حق العائدين حين اتهمتهم بانهم حصان طروادة جاؤوا ليحققوا في الداخل ما عجزوا عن تحقيقه في الخارج .و زجت بهم في السجون و عرضتهم للتشويه…
.. و تجلى فهم الرئيس في سعيه إلى علاج جروح الماضي و قد استدعى الاستاذ محمد المختار ليكلفه بمهام كبرى في الدولة تتعلق اساسا بقضايا التعليم الذي احتلت همومه و مشاكله المتعلقة بالاصلاحات و بالتعريب و غبر ذلك من الإشكاليات الكبرى أجزاءا كبيرة من كتاب ام الرحلات و ذلك انطلاقا من ايام المحظرة الأهلية إلى انشاء جامعة شنقبط العصرية مرورا بادارته لمدرسة تكوين المعلمين ثم بتجربته كأول مدير لمدرسة التكوين العليا التي جعل طيلة عقد من الزمن منها جامعة تستقبل كبار اساتذة الجامعات الدولة. و بجامعة النيجر الإسلامية و دار الحديث و مجالس الرباط العلمية و انشاء جائزة شنقيط للعلوم التي ادخل فيها الشيخ الدكتور محمد المختار العلوم الإسلامية بعد نقاش مطول مع الرئيس السابق معاوية الذى رفض الاقتراح في أول الامر بحجة أنه لا يقبل المتاجرة بالدين ( و ذاك بعد باب ) .. إضافة إلى .ما تضمنته الرحلة الكبرى من أحاديث الشيخ الدكتور الشيقة عن مراحل مساره العلمي دراسة و تدريسا في مختلف الجامعات و عن تاليفه الكثيرة في مختلف العلوم و كذلك عن عمله التاسيسي في المؤسسات الوطنية و الدولية و كلامه المفيد و المنصف على الدوام عن الإنجازات و عن الاخفاقات في تجربته الفريدة من نوعها.
و بالجملة .فإن الشيخ الدكتور فهم في وقت مبكر ضرورة التمكن من العلوم الحديثة و من اللغات الأجنبية فجاهد حق الجهاد من اجل التعمق بللغة الفرنسية لما اكتوى بجهلها و تصالح مع الفلسفة بمعنى حب الحكمة اي بالمفهوم الصحيح فتعمق في محيط المعارف مع المستشرقبن و في رحاب جامعة السربون و حاور بمنطق العالم المجتهد اهل الشرق و الغرب فجمع علمهم على علمه. النافع .. فتعلم من الناس و علمهم ..
..و لم ينسه تعمقه في العلوم الإنسانية و لا تعلمه لمقتضيات الحداثة في اصالته ولا في هويته الشنقيطية التي حملها بلا تكلف مذ ان رحل بتواضع على متن الصبر و المثابرة في عالم الحقائق.. بغية الوصول إلى أفق الحقيقة متحصنا بوقاية الصمد حامدا و عابدا له حتى يحق اليقين…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى