العرب لا يقرأون وقليلا ما يفهمون

د. محمد ولد الراظي

الجامعة العربية تفشل في إدانة التطبيع …….ماتت لاءات الخرطوم ومات معها ما كان من بقية حياء فتعلن البحرين إقامة علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني الغاصب….. إعلان لا يعني أكثر من أن التطبيع السعودي علي الأبواب إذ لا تعدو البحرين أن تكون بمثابة بلدية صغيرة من بلديات نجد أو الحجاز……سيلحق جمع كبير بقاطرة التطبيع وسينبري ساسة البلاط وباعة الأراء والأفكار من أصحاب العناوين الكبيرة في الثقافة والسياسة والفن في تلميع صور المطبعين ووسم كل مخالف بالتكلس والجمود فلا صوت يعلو صوت أصحاب الرساميل….
الحكام العرب بعامة وحكام المشيخات الخليجية علي وجه الخصوص دوما في الإتجاه الخطأ ولا يحسنون قراءة المتغيرات الإقليمية والدولية.
هم لا يدركون أن عظمة أمريكا في أفول ولا يدركون أن أوربا المنتجة والحيوية أدارت لها الظهر ولا يدركون أن الصين هي أكبر منتج للثروة في العالم إن لم يكن اليوم ففي غد قريب وهم لا يدركون أن بلد المليار والنصف يضم طبقة متوسطة بأربعمائة مليون إنسان ولا يعلمون أن الأسواق الواعدة من حيث الكم والقدرة الشرائية أصبحت بشرق الكرة الأرضية ولا يدرك الحكام العرب أن كوفيد ١٩ قد عري كل نمور الورق التي يخافون كما لا يدركون أن إسرائيل ليس بإمكانها حماية نفسها أحري أن تهب لنجدة أنظمة حكم من الزمن الغابر…….لا يدرك العرب أن الأسواق الآسيوية القريبة هي مستقبل التجارة الدولية وهي قاطرة التنمية في المستقبل القريب وكما كانت ابريطانيا والبرتغال وإسبانيا وهولندا سادة المال ذات يوم وهي علي ما هي عليه الآن فستصبح أمريكا في مستقبل غير بعيد في وضع التابع لا المتبوع……………..هي سنة الله في خلقه.
لم يكن حكام الخليج يوما نموذجا للفطنة السياسية ولكنهم منذ عقود فقدوا الرشد كله وساعد في ذلك رحيل قادة كبار نشأوا قبل ثقافة النفط والمال في الخيمة العربية الأصيلة – حيث المروءة والنبل هما بوصلة الرأي والموقف – من أمثال فيصل بن عبد العزيز والشيخ زايد بن سلطان.
اليوم تنذرهم أمريكا أن شرا مستطيرا يترصدهم من الشرق وأن عروشهم في خطر إذ بمقدور إيران ابتلاعهم في ساعات فيتسابقون لتقديم الهبات وابرام الصفقات وأخيرا تطبيع العلاقات مع الصهائنة…..العرب لا يقرأون وقليلا ما يفهمون بعكس الأمم المتحضرة التي تنضج الأفكار والخطط كثيرا علي نار هادئة قبل إعلانها وتختار اللحظة المناسبة والمكان الأنسب والشكل والعنوان….إذ كل له دلالة ومن ورائه قصد.
يأتي الإعلان عن التطبيع السعودي- من خلال البحرين – في الحادي عشر من سبتمبر وفي أجواء انتخابات رئاسية أمريكية غير مضمونة النتائج للملك القشتالي اترامب وكأني به يريد أن يقول للأمريكين و للإنجيليين المتصهينين بخاصة تشفيا وانتقاما – علي طريقة ها نحن عدنا يا صلاح الدين – إذا كان 19 سعوديا قد أحدثوا بكم من الأذى ما أحدثوا في هذا اليوم فها أنا في ذكراه آتيكم بالسعودية كلها ومجرتها الخليجية سبايا بين أيديكم من خلال استظلالها بالمظلة الصهيونية.
يظن حكام العرب المذعورين أن التحالف مع الصهائنة صك أمان لعروشهم ولم يستحضروا ما فعله هؤلاء بجيش لبنان الجنوبي الذي ظل ردحا طويلا من الزمن ذراعهم العسكرية التي يمكرون بها في حق الفلسطينيين والقوي التقدمية العربية في لبنان !!!!!
لا يفهم العرب أن المشروع الصهيوني مشروع أمة لا مشروع رجل ولا حزب ولا لحظة ……ولا صديق ولا عدو إلا بقدر ما يخدم ذاك المشروع وأن تحالفهم مع هذا النظام أو ذاك لن يصمد لحظة واحدة حين يري الصهائنة ربحية أكبر لمشروع ما بين النيل والفرات في مكان آخر أو مع نظام آخر.
إسرائيل تعي والعرب لا يعون أن مساحتها في ال 22 ألف كيلومتر مربع فقط لا يمكن حمايتها في القرن الواحد والعشرين الا بالسلام وخاصة مع الأقوياء إذ لا خطر من ضعيف.
والعرب لا يعون أن تجفيف منابع الحروب البينية وإسكات الفتن والشحناء بين العرب وتوجيه الإمكانات الهائلة لبناء الإنسان الحر القوي القادر أولي من إعلان البيعة لحكام تل أبيب…..وأن المصالحة بين الأخوة العرب وتوحيدهم هو الضمان الوحيد للأمن القومي العربي…….
لا يفهم العرب أن السلام مع الضعيف بلا ثمن وأنهم في أسوأ أحوالهم و يوم تمد إيران القوية يدها علانية لإحياء حلفها مع إسرائيل لن يجدوا في تل أبيب من يرفع سماعة الهاتف ليرد علي اتصال أحدهم .
لا يعي العرب أن الإسرائيليين قوم أذكياء وأنهم مدركون لما يحيط بهم من مخاطر وأن بقاءهم مرهون بتفتييت المفتت وتجزئة المجزأ من حولهم.
سينشط الموساد ويتغلغل من خلال الممثليات الدبلوماسية والمكاتب التجارية في المجتمع الخليجي القبلي الهش وسيخلق صراعات بين الأسر الحاكمة في إماراته وبين العشائر التي تسند كل إمارة وسيبدأ بالمطالبة من خلال أذرعه الحقوقية والسياسية عبر العالم بالديمقراطية وحرية التعبير وحق التمثيل ولن يطول الإنتظار حتي تنفك أواصر الصلة بين الإمارات السبع لتلد كيانات بعددها هزيلة ضعيفة ومتنافرة.
وسيكون الحال نفسه بالنسبة للبحرين من خلال المطالبة “بالحقوق المشروعة” للأغلبية الشيعية كما سيكون عليه الحال مع المنطقة الشرقية في السعودية ولا يستبعد أن يلعب الموساد علي وتر الغبن المذهبي الكبير الذي يتعرض له المالكيون والشافعيون و الجعفريون في السعودية.
لم يفهم العرب شيئا من الدرس العراقي حيث لم يكن أحد ليميز بين شيعي وسني ولا بين مسلم ومسيحي ولا بين صابئي وآشوري كلداني……قبل الاحتلال الامريكي الصهيوني ولاحقه الإيراني….هل يذكر العرب تلك الوعود التي كانت أمريكا تعد بها المنطقة وهل يرون كيف حالها اليوم وكيف كانت بالأمس !!!!!!!
و لكن بالرغم من أن المنطقة العربية والقضية الفلسطينية علي موعد اليوم مع واحد من أكثر فصول السوء سوءا الا أن الصورة ليست سوداوية بالمطلق إذ لم تعد القضية الفلسطينية قضية عربية فحسب بل قضية عالمية كما أنها بفضل ثورة الإتصال والتواصل لم يعد بالإمكان حجبها وأصبح العالم يعيش أحداثها بالصوت والصورة وفي نفس اللحظة التي تقع فيها.
كما أن تراجع نفوذ أمريكا في العالم سينعكس سلبا علي حضور الدبلوماسية الإسرائيلية وسيكون لتنامي اليمين في أوربا ضغطا كبيرا علي ما سيتبقي من ذاك الحضور…….وقد يفعل هذا التخاذل فعلته بالعروش من الداخل فيعصف بها كما كان لنكبة ٤٨ ونكسة ٦٧ مع ملوك مصر وسوريا والعراق ………
وما زالت بؤر أمل حية في هذا العراق القادم وذاك الشام المتعافي و في مصر التي يرفض شعبها أي شكل من أشكال التطبيع رغم مرور عقود علي اتفاقيات كامب ديفيد وبالمغرب العربي الذي ما زال يراعي نبض الشارع ويختزن بقية من حياء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى