لعبة تبديل الكراسي طواف حول الذات
باباه ولد التراد
إذا كان في جوهر وأدبيات العلوم السياسية أقوال مأثورة وخالدة ، فإن من أبرزها :” سلطان غشوم خير من فتنة تدوم ” ، غير أن على الحاكم أن يتقي مجانيق الضّعفاء ، ويعلم أن ” من منع المستوجبين فقد ظلم” ، ويدرك جيدا أن الحكماء يرددون في كل سانحة بعض المفردات الزاجرة ، بل جعلوها كلمة باقية.
مثل قولهم “إذا رغب الحاكم عن العدل، رغبت الرعية عن الطاعة” و” من أحبّك نهاك، ومن أبغضك أغراك “..
ومع ذلك فلا شك أن أحداثاً ضخمة في تاريخ البشرية ما كان لها أن تتحقق وتحدث لولا إجماع كلمة الجماهير، ولم يعد فى استطاعة أى حكومة اليوم الاستمرار فى الحكم دون الحصول على الحد الأدنى من موافقة الشعب، مع أننا ندرك أن للأوضاع الاقتصادية والأجتماعة مثل دخل الفرد ومستوى معيشته وثقافته أثر بالغ على اَراء الأفراد وأفكارهم واتجاهاتهم .
لذلك أضحى تأثير الرأي العام منوطا في كثير من الاحيان بالنخبة السياسية ومنظمات المجتع المدني في جميع الدول ، بما في ذلك بلادنا التي ينبغي أن يتولى قيادة الرأي فيها العلماء والسياسيون والأدباء والكتاب والصحفيون وغيرهم ، بأعتبار أن لديهم خبرة ودراية كبيرة بالمسائل والقضايا والمطالب والآمال والأحاسيس التي تشغل الرأي العام بما يمكنهم من تبني الأفكار الجديدة مبكراً ، وفي العادة فإن مثل هؤلاء القادة في جميع الأمم الحية يبذلون أكبر جهد في دراسة الأوضاع والمواقف والمعلومات ، حتى يكونوا رأيا بشأنها ، وهو ما يجعلهم قادرين على التأثير في الرأي العام .
ومن هنا فمن الضروري أن نؤكد على بعض القضايا التي تهم الرأي العام الوطني في بلادنا
مثل محاربة الفساد واستعادة الهوية وتوفير وسائل العيش الكريم .
غير أن الحكومات إذا لم تساير تغيرات العصر ستقل قدرتها على تلبية احتياجات الشعب، ومن ثم يزداد السخط الشعبي عليها، ويشعر المواطنون أنهم حُرموا من حقوقهم التي يكفلها لهم القانون.
يقول الدكتور نايف الروضان في كتابه “التاريخ المستدام وكرامة الإنسان” الذي ناقش فيه دور الحكم الرشيد والصراع الدائم بين (صفات الطبيعة البشرية) و(حاجات الكرامة الإنسانية) إن الدفاع عن كرامة الإنسان يعد أحد الركائز الأساسية لعملية الإصلاح الرامية إلى بناء حكومة مثالية، وهذا يعني عدم تغليب المشاعر الإنسانية والفساد الأخلاقي والأنانية بأي حال على المعايير الأساسية التسعة، وهي المنطق، والأمن، وحقوق الإنسان، والمساءلة، والشفافية، والعدل، وتكافؤ الفرص، والتجديد، والمساواة بين الجمع.
وقد يفضي غياب بعض هذه المعايير أو كلها إلى ضعف أداء النظام أو تداعيه كليا”.
ذلك أن الحكومة الفاشلة هي التي تعجز عن محاسبة موظفيها ، و تري الفساد وتعجز عن مواجهته إلى درجة يصبح فيها مواطنون من الدرجة الأولى وآخرون من الدرجة الثانية أو الثالثة!!
وتأسيسا على ذلك فإن الأنظمة السياسية في بلادنا التي يديرها في الغالب مسؤولون ضيقو الأفق، أصبحت تنفذ إصلاحات سطحية مؤقتة كلما طرأ خلل ما ، بعد أن وضعوا أهدافا قصيرة المدى على حساب الأهداف طويلة المدى ، في ظل زيادة تنوع القضايا، وتعقدها، وترابطها ، ذلك أن “من لم يحسن صهيلا نهق “.
يقول فهد الخيطان في مقاله: كيف لنا أن ننتخب الحكومات:
” .. إن من الخطأ الفصل بين البرامج والمسؤولين القائمين على تنفيذها وأن نوعية وهوية الأشخاص هما العامل الحاسم في نجاح أو تعثر المشاريع الإصلاحية ..ولهذا يخطئ النواب في اعتقادهم أن الثقة النيابية تمنح للبرامج والبيانات الوزارية بغض النظر عن نوعية الوزراء. ”
ومن هذا المنطلق فليس غريبا على أبناء هذا البلد ـ وهم يتابعون في كل أسبوع ” البيان الصادر عن مجلس الوزراء – الذي يعيد تدوير المفسدين علي أساس المحسوبية والجهوية والنفاق والقبلية والأسرية، بدل تطبيق مبدأ “الرجل المناسب فى المكان المناسب” أن يصطفوا مع الشعب لأن المعاناة أصبحت ترسم طريقها في حياة الناس بالموازاة مع محاولات بعض الأطراف الرسمية وشبه الرسمية أن يتم غض الطرف عن الواقع السيئ الذي تعاني منه البلاد ، من خلال إدمان لعبة تبديل الكراسي ، التي يتم استمراؤها ، دون ضوء في نهاية النفق ، مع عدم جدية صانع القرار في بلادنا للبحث عن بدائل أفضل.
وإذا كانت الإدارة مفتاحا للتنمية والتطور فإن ظاهرة الفساد الإداري والمالي في بلادنا أصبحت آفة فتاكة لأنها تقف عقبة في وجه الانتعاش الاقتصادي والتطورالسليم والصحيح ، بسبب إهدار المال العام و التلاعب والابتزاز والمحاباة ، وقد نتج عن هذا كله جملة من الآثار السيئة منها تدهور الخدمة داخل المرفق العمومي ، وتحويل الموارد والامكانات الحقيقية من مصلحة الجميع إلى مصلحة أشخاص حيث يتم تركيز الثروة في يد فئة قليلة من المجتمع .
علما أن الحاكم “إذا كثر ماله مما يأخذ من رعيّته كان كمن يعمر سطح بيته بما يقتلعه من قواعد بنيانه “.