إلى السيد الرئيس بيرام…..لا تقبل أن تكون في الموقع الخطإ

الدكتور محمد ولد الراظي

أخاطبك هذه المرة باسمك رئيسا لحركة حقوقية يجمعني معها شعار محاربة العبودية والإسترقاق وآثاره، فقد شغلني الموضوع منذ عقود وكتبت حوله يوم لم تكن من وسيلة تواصل إعلامي متاح غير الصحافة الورقية وخاطبت فيه من يفقهون اللغة العربية ومن لا يفقهونها……..ويهمني كثيرا أن تنتفي آثار هذه الظاهرة من بطالة وجهل ومرض وضنك عيش…

أخاطبك أيضا لأني أتقاسم معك انتماء وطنيا واحدا وانتماء ثقافيا مشتركا ولنا من المشتركات الكثير ومهما حصل من تنائي في مواقفنا سنبقى أشقاء ، فالأخ قد لا يُكِنُّ ودا كبيرا لشقيقه لأسباب تأتي وتزول ولكنه لا يمكن أن ينفي علاقته به ووشائج الترابط بينه معه فلم يُسأل أي منهما حين كان كيف يكون ولم تعط لأي منهما الخيرة أن يختار لسانه وثقافته …..

كت قد خاطبتك سابقا مرات وكل خطاب كان بسبب و آخرها كان بُعيد الإنتخابات الرئاسية فأنت شخصية عمومية تصنع الرأي و لست من الصنف الذي يمكن تجاهل ما يصدر عنه من قول أو فعل، والآن أخاطبك حول تصريح منسوب لك ومواقف أعلنتها تتعلق بواقع بلد نشترك الماضي فيه ونشترك حاضره ومستقبله ولا ملجأ لنا عنه ولا موطن لنا غيره……

ذكرت مصادر أنك تحدثت عن وجود 450000 من “لحراطين” لم يتم إحصاؤهم بَعدُ وهذا أمر لا أستغربه وقد يكون مع هذا العدد مثله أو يزيد من البدو “البيظان” الذين كثير منهم ما دخل مدينة في حياته قط ، أما سكان الضفة فأهْلُ تَقَرِّي وحَضَر وإن كان من بينهم من لم يحصل على أوراقه فقليل، ومن أوجب واجبات السلطة أن تقوم بتسجيل كل من يثبت انتسابه لهذه الأرض من “بيظان” ، سُمْرهم و بِيضهم ومن “بولار” و”سوانك” و”ولف” ، ومن واجبها أيضا أن لا تمنح جنسية البلد مطلقا لمن لا تحق له ومن واجب المواطنين من جهتم عونها في تحصين النظام البيومتري الذي بحق هو أهم مكسب تحصل عليه البلد منذ عقود…..

لكن المستغرب أن لا تكون حركة “إيرا” قد استفزها الأمر قبل هذا وشكلت خلية لمتابعته وأن لا يكون منها من ينشغل به رسميا رغم أنه قد مضت عليه أزمان طويلة وأنه أيضا في تزايد مستمر ؛ فالوالد حين لا يحصل على أوراقه يستحيل حصول ذريته على ما يثبت انتماءهم لبلدهم فتستمر المعاناة من جيل لجيل وتستفتحل ويستعصى تداركها وقد تتسبب في إشكالات وربما اضطرابات خطيرة في جو إقليمي مضطرب وفي وضع تداخل مجتمعي حدودي كبير ، مع مالي حيث “البيظان” و”البولار” و”السوانك” ومع السنغال حيث “البولار” و “البيظان” و”الولف” و”السوانك” ومع الجزائر والمغرب حيث “البيظان” بسمرهم وبيضهم على طرفي الحدود….

كان من المنتظر من حركة حقوقية وطنية أن يكون موضوع هؤلاء الموريتانيين أولى أولياتها ، فأول حق للإنسان أن يحصل على أوراق تثبت انتسابه لوطنه فمن لا علاقة له بالأرض لا يمكنه أن يطالب باستفادته من رِعايتها وخَيْرها ولا يمكن لغيره أن يطالب له بذلك !!!!!

فلماذا تتجاهل الحركة أمرا بهذه الخطورة يَعنيها ويعنينا جميعا لو كانت أثارته ما كان ليتخلف عنها منا أحد وكنا سننخرط فيه كلنا وبنفس القوة والتصميم ونطالب بتصحيحه اليوم قبل الغد، ف”الحراطين” أبناء الأرض ، عمروا سهولها ووهادها وشيدوا عمارتها وزرعوا نخيلها وقمحها وشعيرها……

لكن أن تتجاهل الحركة قضية إحصاء أهل الأرض بهذه السهولة والتراخي ولا يُسمع لها صوت لإنصاف مواطنين وإحقاق حقهم الأول والأساس ، ثم إذا بها مستنفرة حين يبدأ المهاجرون الأجانب رحلتهم نحونا ليعمروا أرض هؤلاء المنسيين ويزاحموهم في أعمالهم وفي أرزاقهم وفي القليل من الخدمات العمومية المتاحة لهم……فتستقبلهم بتشكيل خلية مسؤولة عن أحوالهم وتُعَيِّن شخصا من أُطِرها لمتابعة همومهم، فهذا أمر محير تماما ومن حق عامة الناس عليك أن توضحه لهم وتطلعهم على مهمة هذه الخلية والمهام المنوطة بالشخص المسؤول عنها….

ثم من حقنا عليك تبيان الأسباب التي جعلتك تستنفر جماهير الحركة لتنظيم مسيرات ووقفات سلمية لإطلاق سراح المسؤول المعتقل رغم ما صدر عنه من مناكر القول ولم تفعل الفعل نفسه حين اعتقلت صحفية من الحركة بتهمة أخف بكثير من التهم الموجهة إليه……فما الفرق بينه وبينها ؟ وهل يعود هذا الفرق في ردة فعل الحركة على الحالتين لأسباب تتعلق بالمهمة المسندة لمسؤول الهجرة وأهمية ما قد يكون بحوزته من معلومات لا يراد للأمن أن يطلع عليها ولا أن يكشفها ؟

السيد الرئيس

ما الذي سيتابعه هذا الشخص من أحوال هؤلاء المهاجرين ؟ وما الذي يعنيه من أمرهم أصلا وما الذي يعني الحركة ؟ وهل مهمته أن يستقبلهم ويرعاهم ؟ أم أنه مسؤول عن تسهيل دخولهم وتسهيل إقامتهم والتستر عليهم ؟ أم تكون الحركة انتدبته لينشط مع شبكات ، تم تفكيك بعضها، تقوم بإصدار أوراق وطنية لهؤلاء ؟ وما الذي تملكه الحركة في موضوع المهاجرين غير هذا ؟ أم أن الحركة استكملت مشروعها الحقوقي والسياسي على المستوى الوطني ولم يعد لها من أمر يشغلها غير التفرغ لشؤون مهاجرين غير شرعيين لا علاقة لهم بالأرض، لا يجلبون مالا يستثمرونه فيها ولا خبرات تفيد أهلها ، بل أعداد من الناس الذين ضاقت بهم أوطانهم فتشردوا وتاهوا في الأرض يبحثون عن وطن بديل…..فهل تقبل الحركة أن نكون لهؤلاء الوطن البديل وهل ترضى أن تكون جزءا من المشروع !!!!

لماذا لم يصدر عن الحركة موقف معارض لفكرة استقبال المهاجرين ؟ ولماذا لم يصدر عنها موقف حين بدأت أفواجهم الأولى تغزو البلاد ؟ دأبت الحركة المعارضة أن لا يكون النظام في طرف إلا وتكون هي في الطرف الآخر ، فلماذا هذا التناغم فقط في موضوع الهجرة ؟ ظلت الحركة على الصامت طيلة فترة الإسترخاء العمومي في فهم و معالجة الموضوع وحين تبين للدولة أن الأمر يحتاج حزما وقوة فاستفزت طاقاتها الأمنية والإستخباراتية وبدأت تواجه موجات المهاجرين على غرار سائر البلدان ، انبجست “إيرا” وأذرعها والفاعلين معها والفاعلين بها فملأت الدنيا تنديدا بموقف السلطة وشيطنة القائمين على حماية الأرض…فلماذا ذاك التناغم مع السلطة حين القبول بالهجرة وهذا التنافر معها وشيطنتها حين تبدأ في مواجهتها؟

السيد الرئيس

لماذا في كل البلدان المعنية بتدفق المهاجرين غير الشرعيين تناغمت المعارضة والموالاة في دعم المجهود الحكومي ووحدها “إيرا” وصحبها ينفردون بموقف مؤازر ومناصر لهؤلاء المهاجرين الذين تخشاهم أمم الأرض جميعها ودولها والحكومات…!!!! حبذا لو اطلعت على مواقف الأحزاب السياسية في السينغال والمغرب وتونس والجزائر لتدرك أنك في الجانب الخطإ وأن موقف الحركة في هذا الملف يخدم أجندات أخرى لا علاقة لها بواقع “لحراطين” ولا بظاهرة الإسترقاق في مجتمع “البيظان”….

تزامن موقف الحركة هذا مع مواقف أخرى لشريكها في العمل السياسي ، حركة “فلام” ، بعضها منشور بلغة سياسية لا تنطلي مقاصدها على أحد تدعو لتفتيت الكيان الجامع إلى كانتونات أربع وبعضها مستفزة لا يستحي أصحابها من شيئ يقول بانفصال صريح وبعضها الآخر يطالب بحق “عودة” لمجموعة يقول إن “الغزاة” من “البيظان” قد “سلبوها أرضها واستوطنوها وحان لهم أن يرحلوا عنها”…….فهل هذا تزامن عرضي وقع بالصدفة أم أفعال ومواقف منسقة تتفاعل مع بعضها لهدف محدد معلوم ….. أغلب الظن أنها ليست مجرد مصادفة بل عمل مدروس !!!! ولماذا تهتم الحركة بالنازحين “البولار” من مالي إلى موريتانيا ولا تهتم بالمذابح البشعة التي يتعرضون لها في مالي ؟ أم أن هذه المذابح تخدم أجندات أصحاب مشروع توطينهم في موريتانيا فكلما أوغل القتلة في القتل كلما نزح المنكوبون وكلما كثر نازحوهم زادت حظوظ مشروع توطينهم في موريتانيا…….فلم تنبس الحركة ببنت شفة ولا نبست بها “فلام” رغم بشاعة المذابح المروعة وقسوتها !!!! فهل السكوت عن المذابح أيسر وأكثر إنسانية أم العويل على مداهمات قوى الأمن الوطنية لأوكار مهاجرين غير شرعيين لا تطلب منهم غير أن يصححوا وضعياتهم ببصمات تخبر عنهم أنهم ليسوا من أهل الديار !!!!!!

السيد الرئيس بيرام

لقد حصلت على نصيب وافر من أصوات الناخبين، لا شك في ذلك ولا ريب ، ولك مشروعية سياسية وازنه ما تزال قائمة رغم أن القراءة الإحصائية للنتائج التي تحصلت عليها تفيد أنك في تراجع مستمر ، فقد فقَد الكثير من أنصارك حماسهم لك وقد تبين للكثير الآخر منهم أنك قد تكون ضحية للعبة أكبر منك وحين ينتفي غرض صحبك منك ستدرك أنك كنت في الطريق الخطإ ولكن حين يكون أوان التدارك قد فات….

إنك ترفع شعارا جامعا لكل من يريد الخير، فرفع المظالم هدف نبيل وأجره كبير والعبودية إرث مقيت والله كرم ابن آدم ولم يكرم ابن فلان ولا ابن علان لكن القوم يأتمرون بك واعلم أنك لا تهمهم إلا بقدر ما يحصلون عليه من صحبتك فقد فشلت خططهم الكثيرة ولم يبق لديهم إلا أن يجعلوا منك حصان طروادة فلا تقبل أخي بيرام………..وتخلص من لغة الشرائحية ، فلا يمكن الفوز بانتخابات رئاسية على خلفية خطاب شرائحي ولا جهوي ولا إثني ويخطئ الذين يتحالفون معك إن ظنوا أن بالإمكان الوصول للحكم لمن لا يتقن لغة غالبية سكان البلد ولهم في دول الجوار خير دليل فقد ألزم الرئيس السنغالي السابق عبد الله واد جميع وزرائه أن يجيدوا الحديث بالولفية ولم يحتج “البولار” البالغين 23% من السكان ولا “السيرير” البالغين 13% ، فقرار الرئيس هو الصحيح ولا يصح إلا الصحيح…..
إن بلدنا يواجه تحديات وجودية كبيرة فكن كما ينبغي لك أن تكون جزءا من درعه الذي يقيه ولا تقبل أن يدفعك صديق ولا حليف لأن تكون في الموقع الخطإ……..والقبول بالمهاجرين غير الشرعيين واحتضانهم وتسهيل إقامتهم دون تصحيح وضعياتهم خطأ جسيم…..

خالص الود

الدكتور محمد ولد الراظي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى