هل تتوقف الدورة السيزيفية؟
ما زالت القبلية المقيتة تتقمص الدولة، في غفلة من واقع انتزاعها منذ ستة عقود من “عنوان السيبة” على يد الاستعمار الفرنسي؛ تقمص بأبشع مضاره على سير الكيان الستيني الذي شاخ قبل الأوان بالمتثاقل في خطوه اتجاه الجمهورية المتفيئة ظلال القانون بكل تجلياته المفتقدة، واقع فَالِت هو الآخر من منطق هذا الكيان السوي ذاته، تفرضه عقلية “سيباتية” عصية على التغيير ولا تقبل، حتى فيما يظهر، بمنطق هذه الدولة الحديثة.
لكن الأدهى والأمر من هذا الواقع المفروض بقوة “الماضي” المتغلب بجاهليته المقنعة هو تباين مراكز قوة القبائل فيه، فمنها القوي الحاضر في الفوضى العارمة المشتركة، ومنها دون ذلك من المستضعف الغائب عن المائدة إلى فتاتها.
ولما أن الكيانات القبلية القوية هي التي تتقاسم الفترات الزمنية على إيقاع التحولات السياسية وما تفرزه من الوظائف السامية والمراكز الاستراتيجية على خلفية قبول التفاوت الذي تفرضه التوازنات المتغيرة، فإن البرلمان والمجالس التي حلت محل غرفة الشيوخ والبلديات تبقى أقوى وأعتى وأظلم “مصانع” هذا التفاوت وما يفرز من غبن وتباين وإقصاء للمستضعفين بسبب قصور كياناتهم القبلية. وهي بهذا، إنما أصبحت وحدها المنابر الأقوى التي ترفع فيها القبائل حظُوظها كلما أحست بتراجع خضورها، وتقوم بتحقيق ذلك عن طريق إبداء “العنفوان” على لسان ممثليها تحت القبة وفي المجالس.
وعليه فلا تكاد تخلو جلسة برلمانية من “ملاسنات” حادة، تستبطن، لمن يدرك المغزى من وراءها، أهدافا “طمعية” في توطيد المكانة وكسب مزايا عديدة، فتخرج عن الإطار المقبول لأدبيات البرلمان وتخرق عمدا وتجاوزا نظمه وقوانينه بكل صلف واستهتار، ثم لا تلبث أن تفضي هذه الحدة السافرة إلى مصالحة ينال من ورائها الخصوم منعة أكبر وتتحقق لهم مآرب في الدولة غير مكترثين بزيادة الهوة أكثر بين المستضعفين الممنوعين عن طريق منعهم من الكلام في هذه المنابر. ثم تهدأ الأمور فترة قبل أن تعيد اشعالها أقطابٌ قبلية أخرى تحسب أن الدور أتى عليها لتحقق طموحاتها وتصل إلى مآربها، وهكذا تعود الدورة “السيزيفية” المقيتة في أزلية حراكها بروتين الإخفاق.
فهل يدوم الحال على ما هو عليه والدولة تدشن عهدا “تعهداتيا” ارتاح له الشعب ويأتي من بعد عشرية رسخت أكثر هذا المنطق القبلي الجهوي السافر وكرست ممارساته الظالمة حتى أتخمت، بمنطق المحاصصة السلبية، الإدارةَ المتعثرة والمؤسسات العمومية الفاسدة بطواقم من الدخلاء عليها بلا قدرات احترافية أو مستويات تكوينية، وبأصحاب الشهادات التي لم يزكها مستوى علمي أو تبررها تجربة أو اختصاص أو كفاءة مهنية تغطي أو تلتحم بدور من أدوارها المتشعبة حتى باتت عاجزة عن أداء مهمتها السامية وخدمة المواطن ورفع أداء البلد، وأصبحت كذلك وكرا للزبونية والمحسوبية والوساطة ومسرحا للنهب والفساد والرشوة والإقصاء وممارسة الحيف؟
وبالطبع لم يسلم الإعلام، “مِحور” الحكامات و”نبضها” الحي ودعامته الأولى، الذي كانت تُسلم “راياته” منتكسة هو الآخر بالمزاجية “السيباتية” مع كل تغيير إلى “أفراد” يتم اختيارهم ويجري تعيينهم على:
ـ معيارية الولاء التزلفي،
ـ والقرابة القبلية،
ـ والتراتبية المجتمعية،
والوصاية الضيقة،
في ثوب “المحاصصة” بلا غطاء ومن دون أية مراعاة لشروط معلومة من أوجبها المهنية المؤكدة البعيدة من لغة الخشب المتجاوزة وضرورة ـ إن لم تكن إلزامية ـ التمكن من الأداء الرفيع باللغات الرسمية لصحافة مزدوجة ولإعلام جامع يشمل في الأداء البناء جميع اللغات الوطنية.