من يحاور من؟ و على أي موضوع يتم التحاور؟
محمد الكوري ولد العربي

هذا الحوار “ضربة جن” ابتلي بها تيار الكادحين… فلم تخل حقبة من تاريخ البلاد دون دعوتهم للحوار كأن البلاد في أذهانهم في حرب أهلية دائما.
ليس الوطن بحاجة للقاءات الكرنفالية و التصريحات الاستعراضية في وسائط الإعلام، فقد شبع منها و ارتوى! إن الجهد الوطني يجب أن يتجه نحو توفير مياه الشرب و مواجهة خطر البطالة على الشباب و خطر الهجرة الوجودي على مستقبل شعبنا، أفرادا، دينا، قيما، اقتصادا، … و على خطر إغراق وطننا بالأدوية المزورة و الأغذية الفاسدة و المخدرات و المهلوسات، و خطر انهيار التعليم بكل مستوياته… و أزمة السكن و تدني رواتب العمال و موظفي الدولة و خطر التلاعب بالأسعار في مواد القوت اليومي … و نقص كفاءة الأجهزة الأمنية في العديد و العتاد و الأجهزة التقنية و التكوين و التدريب و تدني الرواتب و المحفزات لرجال الأمن ، و غياب مبدأ المكافأة للمتميزين و العقوبة للمقصرين من موظفي الدولة عموما… و هذه كلها أمور تحظى بالإجماع تلقائيا و لا يحتاج فيها أي نظام حاكم للحوار عليها ، و لا تستطيع أية جهة سياسية الاعتراض على رفع مستوى أداء النظام فيها… و إلا عرضت نفسها لمقت الشعب. إنها أمور بيد نظام ولد الغزواني أن ينجز فيها أو يهملها، دون مساعدة من جهة سياسية معارضة.
إن إخوتنا في ( تيار الكادحين) يدورون في ذات النقطة( الحوار ) ، كمن فقد تحديد الجهات، مع أنهم في كل الحوارات السابقة لا يقدمون فيها أكثر من مقترحات تكتيكية ( تسييرية) ، تارة ذات صلة بجر الأنظمة إلى إشراكهم معها في إدارة الدولة، و تارة في مواضيع ذات علاقة بالتحسين في مستوى معيش المواطنين … و كلها موضوعات لا تتطلب حوارا عليها بل يكفي تكثيف الضغط السياسي المعارض على الأنظمة لحملها على تقديم سياسات نافعة للشعب. فالمواطنون الجياع، المرضى، المرعوبون في مساكنهم، … آخر ما يهتمون به هو : البطاقة الانتخابية، و تحيين اللائحة الانتخابية، و إحصاء الناخبين، و المحاصصة في لجنة الإشراف على الانتخابات… و البرامج التلفزيونية على القاسم الانتخابي، و نسبة المشاركة في الانتخابات، و عدد مكاتب التصويت في عموم البلاد… كل هذا ليس مما يشغل الفقراء و إنما تلك مشاغل الآمنين في بيوتهم، الميسورين في نفقاتهم، المتابعين لدراسة أبنائهم في السينغال و تونس و المغرب و فرنسا و تركيا و كندا و اسبانيا… و هنا في المدرسة الفرنسية و التركية ! أما المجموعة الثانية من الذخيرة التاريخية للكادحين، فهي حركة افلام و الفئويين المتزنجين من لحراطين، فهؤلاء لن يقبلوا بحوار لا تكون مخرجاته: تجريم المكونة العربية بتحميلها آثام نظام ولد الطايع ضد مكونة الهالوبولار ، 1990-1991، و إعادة تأسيس الدولة على أساس المحاصصة الإثنية من الرئاسة وصولا للبواب و الفراش… الأمر الممهد لتفكيك وحدة موريتانيا، المؤسسة 1958: مثل ترسيم أربع لغات وطنية و اقتياد ما يحلوا لهم ذكره من الضباط العرب إلى دائرة الاتهام بالقتل للجنود و الضباط الزنوج و محاكمتهم و إدانتهم و تنفيذ الحكم عليهم… أو جلبهم لمحكمة الجنايات الدولية ، إذا استعصى التنفيذ محليا، و نبش القبور ، و اعتبار اللغات الوطنية هي البولارية و الحسانية و السونوكية و الولفية، و اعتبار اللغة العربية لغة أجنبية وافدة مع “الغزاة من بني حسان” ، شأنها شأن اللغة الفرنسية! أما المتزنجون من لحراطين، فلا معنى لحوار، بالنسبة لهم، لا يقر بفصل المكونة العربية بعضها عن بعض، أي فصل لحراطين و البيظان، و اعتبارهم شعبين لا يجمع بينهما إلا الجغرافيا ، و قد يجددون، عبر مخرجات الحوار كما يرونه، طلبا سابقا للأمم المتحدة بمساعدة لحراطين ، اليوم، في تأسيس هوية ثقافية و حضارية، مستقلة للحراطين تفصلهم عن ثقافة البيظان و لغتهم و عاداتهم و تقاليدهم!
و لا يمكن لأي عاقل، قبل أن يكون وطنيا، سواء ماسكا بالسلطة أو مواطنا عاديا، أن يقبل ب” حوار” هدفه نسف كيان وطنه؛ خصوصا أن هذا” الحوار ” ، في حدود ما استجمعته من معطيات، لا يطلبه في هذه الظروف الصعبة، أمنيا و اقتصاديا، إلا الإخوة الكادحون ؛ و مع ذلك يريدون أن يمسكوا ، من جهة، بملف إدارة الحوار، عبر الأستاذ المخضرم موسى افال، و من جهة أخرى، يقدمون أنفسهم طرفا محاورا، بمعنى أنهم ، في ذات الحوار ،هم حكام و خصوم ! فليحاور الكادحون الكادحين، في هذه الحالة!
إن من حق أي طرف سياسي أن يعرض نفسه و يشرح نقاط قوته للنظام بهدف إشراكه في السلطة و إدارة توزيع الكعكة معه… لكن دون إدخال البلاد برمتها في مطبات و مزالق، بلا مبرر أصلا ،و بلا جدوى سياسية و لا اقتصادية على المستوى الوطني، في النهاية، ..
الأستاذ. محمد الكوري ولد العربي.