زوال الحكم سنة الحياة

أجمد محمود جمال أجمدُ

من يتأمل في مسيرة التاريخ يجد أن الحكم لا يدوم لأحد، وأن الكراسي التي يظنها البعض عروشاً أبدية ليست سوى مقاعد عابرة. الصورة التي تذكّر بزعماء أفارقة صعدوا إلى القمة، بعضهم ترك الحكم طوعاً، وآخرون تمسكوا به حتى الرمق الأخير، تُجسد هذه الحقيقة: الحكم زائل، والزمن وحده من يوزع الأدوار.
الرئيس الكاميروني بول بيا مثال حيّ، إذ تجاوز العقود متمسكاً بالسلطة، وكأنه يتحدى الزمن نفسه. لكن مهما طال الأمد، فالعاقبة معروفة: لا سلطان يبقى، ولا زعيم يُخلَّد.
وفي خضم هذه الجدية، تظهر الطرافة أحياناً لتذكّرنا بأن حتى عظمة الرؤساء ليست بمنأى عن السخرية. الممثل الفرنسي ديودونيه اشتهر بجرأته في تقليد الرؤساء والزعماء، مقدماً مواقف كوميدية تسخر من جبروتهم وصورتهم المقدسة. بسخريته، يضعهم في حجمهم البشري الطبيعي، فلا فرق بينهم وبين أي إنسان آخر أمام سنن الزوال.
لقد أدرك الشعراء قبله أن دوام السلطة وهم. يقول أبو البقاء الرندي في مرثيته الشهيرة عن زوال الممالك:
لكل شيء إذا ما تم نقصانُ *** فلا يُغرَّ بطيب العيش إنسانُ
هذا البيت يوجز حكمة التاريخ: الحكم مثل الحياة، يبدأ ويزدهر ثم يزول، والتناوب عليه سنة لا محيد عنها.
إن التعلق بالكرسي هو صراع خاسر مع الزمن، والزمن – كما قيل – سيد الموقف، يرفع قوماً ويخفض آخرين. ولعل أصدق ما يقال في هذا السياق: إن الزعيم الذي يترك السلطة مختاراً، أعظم شأناً من ذاك الذي ينتزعها الموت من يديه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى