في “ملف فساد العشرية” والحصيلة والآفاق! (5)
بقلم الأستاذ محمدٌ ولد إشدو
آفاق “ملف فساد العشرية” (ج)
* وقالوا لكم إن المادة 93 من الدستور لا تمنح حصانة لغير الرئيس الممارس، ولا تنطبق على الرئيس المنصرف. وهذا غير صحيح! وجاؤوا بـ 60 محاميا وبأساتذة قانون وقضاة.. عللوا ذلك تعليلات متناقضة ومتهافتة وباطلة ومضحكة ومبكية، فقالوا تارة إن الرئيس المنصرف لم يعد رئيسا، والحصانة لا يتمتع بها إلا الرئيس! “والمادة تقول: مدة رئاسته” ووضعوا تحت “مدة” خطا. في حين لم ترد في تلك المادة عبارة “مدة” على الإطلاق، كما سترون! وقالوا تارة أخرى لأن “الأفعال المنسوبة له (دون بينة) لا علاقة لها بالمهام التي أسند له الدستور.. تسيير الدولة وتحديد سياسات تقوم عليها الدولة” وهذا كله هراء وسفسطة! إذ هو تخريف وتحريف وتلاعب وتدليس في نص واضح، بخصوص الرأي الأول. ومحاولة فاضحة لتبني نظرية “الأعمال المنفصلة” المنصوصة في تعديل الدستور الفرنسي لسنة 2007 (اجتهادا أو قياسا) في الرأي الثاني! بينما الأصل أن لا مجال للاجتهاد (والقياس والاستحسان والاستصحاب) إلا فيما لا نص فيه أصلا، أو ما فيه نص غير قطعي. ولا يجري الاجتهاد في القطعيات! “وهذا الأصل جار في القوانين الوضعية؛ فمتى كان القانون صريحا فلا اجتهاد فيه ولو كان مغايرا لروح العدل”! والمادة 93 من الدستور الموريتاني تنص صراحة على ما يلي: “لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى. لا يتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الجمعية الوطنية التي تبت بتصويت عن طريق الاقتراع العلني، وبالأغلبية المطلقة لأعضائها. وتحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية…”. فهل بعد هذه الصراحة والوضوح قول لمجتهد أو متأول؟ وهنا ينبغي، ويجب – يا فخامة الرئيس- أن تعلموا وتفهموا أن هذه “الاجتهادات والتأويلات” الكاذبة الخاطئة لا يقصد منها ظلم وتوريط الرئيس السابق بالباطل فحسب من قبل أعدائه من المفسدين؛ بل إنها تستهدفكم أنتم أيضا، لأنكم جزء من نظام العشرية الوطني الذي يمقتونه ويحاربونه، وستصبحون رئيسا سابقا بعد طول عمر ونجاح، ولأنكم مسؤول غني أيضا، وسوف يقلبون لكم ظهر المجن كما قلبوه لغيركم، من أجل كسب ود وافد جديد على كرسي القصر الرمادي؟!
* وقالوا لكم إن الرئيس السابق وصحبه نهبوا أموال الشعب! وإن حجم الضرر الناجم عن نهبهم يقدر “بآلاف المليارات على أسوأ تقدير”.. واكتتبوا في سابقة لا مثيل لها60 محاميا لاسترداد أموال الشعب المنهوبة! وهذا كله غير صحيح! لأنهم أولا، عجزوا عن رفع تحدي الرئيس السابق لهم حين تحداهم جميعا أن يثبتوا وجود اختلاس في أي مرفق عمومي أو مؤسسة للدولة له به علاقة، أو أية رشوة، فعجزوا ولم يجدوا بينة على دعواهم! وأصبحوا يطالبونه هو بتقديم البينة على نفسه! وهذا محض الإفلاس! ثم عادوا ثانيا، فاعترفوا بأن الأضرار (المزعومة طبعا) التي لحقت بالدولة ناجمة عن استخدام اسمها إضرارا بها، ويصعب تحديدها”. فهي إذن أضرار وهمية كغيرها! ولكونكم ثالثا، تعرفون حق المعرفة، وصرحتم بذلك لثلاثة من قادة المعارضة- التقوكم فرادى في بداية الربع الأخير من سنة 2019، أن ممتلكات الرئيس السابق لا توجد من بينها أوقية من أموال الدولة! ورابعا، لأن منجزات الرجل على أرض الواقع، وفي عموم أرجاء الوطن تشهد له بنقيض ما يتهمه به المفسدون؛ وقد شهد له جميع أعوان الدولة بأنه كان يحدوهم ويحثهم على العمل من أجل بناء الوطن وتطبيق القانون، ويكف أيدي المفسدين عن المال العام ويقمعهم! كما شهدتم أنتم له على رؤوس الأشهاد! وما تزال أصداء شهادتكم له مدوية يوم قلتم بحق: “… كما أن السياق التاريخي لهذه اللحظة يستوجب مني أن أسجل، نيابة عن الشعب الموريتاني وأصالة عن نفسي، شهادة للتاريخ في حق أخي وصديقي فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي ستحفظ له الذاكرة الجمعية الوطنية ما حقق للبلاد من إنجازات تنموية شاهدة ومن مكاسب سياسية وديمقراطية رائدة. فقد شكلت بحق فترة قيادته لبلدنا نقلة نوعية في معركة النماء والاستقرار بالنظر إلى ما حقق فيها من إنجازات بنيوية عملاقة وما اختتمها به من احترام للدستور وعبور بوطننا الغالي إلى بر الأمان. فله منا جميعا التهنئة الخالصة والشكر المستحق”!
* وقالوا لكم، لما عجزوا عن إيجاد بينة على دعواهم الكيدية ضد الرئيس السابق، إن عبء البينة يقع على كاهل المدعى عليه، ليثبت براءته! وهذا غير صحيح! لأنه مخالف لشرائع السماء والأرض التي تعتبر البراءة أصلا لا ينتهك إلا بمحقق! وقررت أن البينة على المدعي. وهو مخالف كذلك لصريح المادة 13 من الدستور التي نصت حرفيا على أنه “يعتبر كل شخص بريئا حتى تثبت إدانته من قبل هيئة قضائية شرعية”. ولن يخفى عليكم هنا كذلك أن الهدف من وراء هذا الاختلاق هو أن تكون الدعوى المجردة سيفا مصلتا فوق رقاب المصلحين. وأنتم مصنفون في خانة المصلحين!
* وقالوا لكم إن “ملف فساد العشرية” المزعوم ملف قضائي، وبين يدي القضاء، ولا يحق للسلطة التنفيذية التدخل في شأنه.. أو بعبارة أصرح وأوضح “… والبرلمان زَرْگو (أي رماه) للقضاء وأصبح القضاء صاحب السيادة. لم يعد لأي أحد آخر أي سلطان مهما كان هو” حسب تعبير كبير “محامي الدولة” في مؤتمره الصحفي الأخير. وهذا غير صحيح! فمن جهة، يعاني القضاء الموريتاني منذ نشأته ضعفا بنيويا، وخضوعا تقليديا عريقا للسلطة التنفيذية، ولسلطان العشيرة بشقيه الزمني والديني، ولسلطان المال! وقد سارت بذلك الركبان ويعرفه الحاضر والبادي! ويضاف إليه كون القضاء الجزائي – على جميع علاته المعروفة- تم اختطافه والتحكم فيه من خارج الدولة فيما يتعلق بهذا الملف؛ فدأب على التمادي في “القضاء” فيه بما يخالف القانون والعدل والإنصاف، وعلى محاباة النيابة واستنساخ طلباتها حرفيا. ولدينا أدلة كثيرة على ذلك، سوف نتطرق إلى بعضها لاحقا! ولذا لم تعد خرافة “استقلال القضاء” تخدع أحدا! ومن جهة أخرى، فإن الغرض من ترويج خرافة “سيادة القضاء” في هذا الملف و”انعدام أي سلطان لأحد آخر عليه مهما كان هو” التي يدعيها النقيب، إنما هو تكريس اختطاف القضاء الجاري وفصلِه عن الدولة والقانون، ليظل آلة يستخدمها المفسدون في تنفيذ مآرب غير شرعية وغير وطنية، وفي تصفية حسابات أخرى لا علاقة لها بمصالح الدولة والوطن ولا بالعدل والانصاف! ثم تجريدكم أنتم من صلاحياتكم كرئيس، ومن سلطانكم المطلق على جميع مرافق الدولة بما فيها القضاء، الذي خولتكم إياه المادتان 24 و89 من الدستور، وتنصان – على التوالي- على ما يلي: “رئيس الجمهورية هو حامي الدستور، وهو الذي يجسد الدولة ويضمن بوصفه حَكَمًا السيرَ المطَّرد والمنظم للسلطات العمومية. وهو الضامن للاستقلال الوطني وللحوزة الترابية”! “… ورئس الجمهورية هو الضامن لاستقلال القضاء. ويساعده في ذلك المجلس الأعلى للقضاء الذي يرأسه”! فهل يجوز لمن هذه صلاحياته وسلطانه أن يظل مكتوف الأيدي وهو يرى بعينيه الدستور يمزق، والقانون يخرق، والقضاء مختطفا، والوطن على كف عفريت؟!
يتبع