في ملف اتهام الرئيس محمد ولد عبد العزيز (2/2)
بقلم الأستاذ محمدٌ ولد إشدو
(ملخص عرض منسق هيئة الدفاع في مؤتمرها الصحفي حول الملف يوم 10/3/022).
3. عمل النيابة وضبطيتها القضائية. لم تجد النيابة في تقرير “لجنة التحقيق البرلمانية” ضالتها المنشودة، فصرفت عنه النظر؛ ولو “على سبيل الاستئناس” الذي ذكرته في رسالتها إلى المدعي العام! وعمدت إلى خلق ملف آخر استهدفت فيه الرئيس السابق مباشرة تنفيذا للأوامر! فانتهكت حصانته الدستورية، وأمرت باعتقاله لدى إدارة الأمن، ومنعته من مؤازرة دفاعه ومن الاتصال بأهله، وأهانته، واستجوبته في مخافر إدارة الأمن من طرف مدير أمن الدولة وأحد عشر ضابطا ساميا من الشرطة، بدل مدير مفوضية الجرائم الاقتصادية؛ إن كانت صادقة في مزاعم محاربة الفساد، ثم اتهمته بالباطل!
ومن سمات هذه المرحلة ما يلي:
– إقالة وزير العدل والخبير القانوني الأستاذ حيموده ولد رمظان، وتعيين سياسي لمتوني مخضرم ومريد غظفي عريق وزيرا للعدل!
– إطلاق العنان لشائعات وإفك المخابرات والذباب الإلكتروني متعدد الولاءات في حملة افتراء وتضليل شعواء ضد الرئيس السابق؛ بغية تلطيخ سمعته وشيطنته بالباطل.
– غلق مقرات الحزب الذي انتمى إليه بالقوة، واستخراج قرارات استعجالية من المحكمة العليا بتعليق ووقف تنفيذ قرار صادر من نفس المحكمة بشرعيته، طعن فيه وزير العدل “لصالح القانون”. ولم يتم البت في ذلك الطعن حتى اليوم.
البحث عن جميع ممتلكاته وممتلكات جميع أفراد أسرته وجميع أقاربه، وأقارب أقاربه، إلى ما لا نهاية وتقويمها تقويما خياليا، وتجميدها ومصادرتها؛ سواء منها ما كان ملكه قبل أن يصبح رئيسا، وما كان قد أعلن عنه في تصاريحه بممتلكاته، وما هو مملوك من طرف الغير بسندات عقارية وأوراق رسمية! وليس هذا فقط؛ بل اعتقل وهدد رجال أعمال وأكرهوا تحت طائلة الحبس والاتهام ليعترفوا بالباطل على أنفسهم وعليه في “صفقات سرية” مع النيابة والبوليس، لا نعرف عنها ولا يعرف عنها القضاء شيئا! مع العلم اليقين أن فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يعرف جيدا الحجم الحقيقي لثروة الرئيس محمد ولد عبد العزيز ومصادرها، وأن لا شية فيها من أموال الدولة، وسبق أن صرح بذلك لبعض زعماء المعارضة عند ما زاروه في القصر الرمادي، ولا غرو؛ فقد لازمه 40 سنة، وعمل تحت قيادته، وكان شريكه في انقلابيهما وفي العشرية، ومرشحه وخليفته، وقد شهد له أمام الملأ شهادة تفند مزاعم النيابة والبوليس الداحضة قال فيها:
“… كما أن السياق التاريخي لهذه اللحظة يستوجب مني أن أسجل، نيابة عن الشعب الموريتاني وأصالة عن نفسي، شهادة للتاريخ في حق أخي وصديقي فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي ستحفظ له الذاكرة الجمعية الوطنية ما حقق للبلاد من إنجازات تنموية شاهدة ومن مكاسب سياسية وديمقراطية رائدة. فقد شكلت بحق فترة قيادته لبلدنا نقلة نوعية في معركة النماء والاستقرار بالنظر إلى ما حقق فيها من إنجازات بنيوية عملاقة وما اختتمها به من احترام للدستور وعبور بوطننا الغالي إلى بر الأمان. فله منا جميعا التهنئة الخالصة والشكر المستحق”!
– ومن تدابير النيابة المغرضة تولد بالكاد مبلغ 29 مليارا الذي صرحت به النيابة مكرهة، يوم أحالت الملف على التحقيق، في غياب عثورها على بينة وعجزها عن رفع التحدي الذي أعلنه الرجل حين قال: “أتحداكم جميعا أن تثبتوا وجود اختلاس مهما كان نوعه، أو رشوة في أي مرفق عمومي أو مؤسسة من مؤسسات الدولة لي به علاقة” فبهتوا ولجؤوا إلى فعل طائش يخرق خرقا صارخا ترتيبات المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية التي تحمي سرية البحث والتحقيق تحت طائلة العقاب!
4. عمل القضاء! كنا قد ذكرنا في بداية حديثنا عن هذا الملف أننا لم نلاحظ منذ وروده على القضاء وجود فرق – مهما كان نوعه- بين ما جرى من ظلم وانتهاك لحقوق موكلنا المنصوصة في دستورنا وقوانيننا أثناء فترة البحث الابتدائي المغرض، والتكييف التعسفي والاتهام بالباطل من طرف النيابةِ المتهِمة المأمورة، وبين عمل القضاء فيه! وسنركز في حديثنا عن عمل القضاء في الملف على الأمور التالية:
– امتثال القضاء بجميع درجاته لطلبات النيابة دون استثناء، وكأنها أوامر، ورفضه لجميع طلبات الدفاع المؤسسة بصريح القانون، دون استثناء! ولدينا الآن أزيد من 30 أمرا وقرارا قضائيا صادرة عن جميع درجات القضاء تثبت صحة ما نقول! الأمر الذي يشكل نكرانا شنيعا وخطيرا للعدالة، وخرقا سافرا للقانون وخاصة المواد 4 و89 و90 و93 من الدستور الذي هو القانون الأسمى للدولة، والتي تنص تباعا على ما يلي: “القانون هو التعبير الأسمى عن إرادة الشعب ويجب أن يخضع له الجميع” (المادة 4) “السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. رئيس الجمهورية هو الضامن لاستقلال القضاء…” (المادة 89) “لا يخضع القاضي إلا للقانون، وهو محمي في إطار مهمته من كل أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه”. (المادة 90) “لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى. لا يتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الجمعية الوطنية التي تبت بتصويت عن طريق الاقتراع العلني، وبالأغلبية المطلقة لأعضائها. وتحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية”.
– وضع القضاء لموكلنا تحت المراقبة القضائية بمجرد أن النيابة طلبت ذلك؛ في حين أن المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن المراقبة القضائية شرعت لضمان حضور المتهم لا غير: “لأجل ضمان حضوره” فهل لا توجد ضمانة لحضور رئيس جمهورية سابق معلوم المكان والعنوان سوى وضعه تحت المراقبة القضائية، وإلزامه بالحضور والتوقيع لدى إدارة الأمن ثلاث مرات في الأسبوع؟!
– حبس موكلنا ظلما وجورا بحجة مخالفته لشروط مراقبة قضائية ما أنزل الله بها من سلطان، ودون أن ينهض في حقه مبرر من مبررات الحبس الاحتياطي الأربعة التي تحظر المادة 138 من قانون الإجراءات الجنائية على قاضي التحقيق أن يأمر بالحبس الاحتياطي في غيابها، فتقول: “لا يجوز لقاضي التحقيق أن يأمر بالحبس الاحتياطي إلا إذا كان له مبرر؛ سواء كان ذلك لخطورة الوقائع، أو للمنع من إخفاء أدلة الجريمة، أو للخوف من هرب المتهم، أو للخوف من ارتكاب جرائم جديدة”. وتركه في جبس انفرادي أزيد من ستة أشهر وحرمانه من جميع حقوقه؛ بما في ذلك رؤية الشمس والتلفاز وممارسة الرياضة وسماع الإذاعة واستخدام الهاتف إلخ! وخلال هذه المدة لم يتقدم التحقيق خطوة واحدة. ولم يزر موكلنا قاض ولا وكيل ولا مدع عام ولا طبيب؛ خلافا لصريح القانون!
– منعنا من طرف جميع درجات القضاء من الاطلاع على ملف موكلنا لعدة أشهر! وما يزال القضاء يمنعنا عمليا من الحصول على أزيد من ثلث الملف بعد صدور قرار منه بتسليمنا جميع أوراق الملف!
– رفض القضاء الرد على بعض عرائضنا وطلباتنا الملحة لحد الساعة، خلافا لصريح القانون! وخاصة تلك المتعلقة منها بوقوفنا على حقيقة مرض موكلنا عن طريق حصولنا على الشراشف والمناديل الملطخة بدمه ليلة إصابته في سجن مدرسة الشرطة بجلطة ونزيف من الفم والأنف، وعلى التقارير الطبية المتعلقة به؛ وتلك التي نطالب فيها بإلحاح شديد تمليه حالته الصحية الخطيرة وظلم وبطلان الإجراء الذي أخضع له، بضرورة ووجوب إلغاء المراقبة القضائية المشددة الظالمة المفروضة عليه منذ انتقاله من سجن مدرسة الشرطة إلى السجن في داره، وتركه يتوجه إلى حيث يجد العلاج الشافي والأمان!
– أما استحالة مخاصمة القاضي الممتثل لأوامر النيابة على أخطائه المهنية الجسيمة، واستحالة مراقبة ما إذا كان قد نطق بالقانون في عمله القضائي من طرف المحكمة العليا! فذلك شأن آخر سوف نعالجه في تعليقنا على قراري الغرفة الجزائية بالمحكمة العليا بصرف النظر عن بعض طعوننا ورفض بعض، وقرار غرفة مشورة الغرف المجمعة برفض مخاصمة موكلنا لقضاة قطب التحقيق المؤسسة وتغريمه!
وخلاصة القول هي:
– أن لا علاقة للملف رقم النيابة 001/021 بالفساد، أو القانون، أو القضاء؛ بل هو ملف سياسي هدفه الانقلاب على الشرعية والدستور، وعلى نهج الرئيس محمد ولد عبد العزيز الوطني، وتشويه سمعته وشيطنته بالباطل، ومصادرة ممتلكاته وممتلكات أسرته وأقاربه ومعارفه، ومنعه من ممارسة حقوقه المدنية؛ بما فيها حق الكلام والعمل السياسي، وحبسه ظلما وعدوانا وانتقاما، ومحاولة تصفيته!
– أن الخاسر قبل غيره في هذه المجزرة الحقوقية الفظيعة هو العدالة والقانون والوطن! وويل – ثم ويل- لأمة لا قانون لها ولا عدالة؛ وبالتالي فلا وطن!
– أن لا أمل بعد ما عانيناه وعايناه خلال سنتين وربع السنة من انتهاك وخرق للدستور ولكافة القوانين والأعراف القضائية، في الحصول على أبسط مقومات المحاكمة العادلة؛ لدرجة جعلت أكثرنا تفاؤلا ونضجا وضبطا للنفس يدعونا إلى خلع بدلاتنا السوداء وحرقها في ساحة المحكمة العليا حدادا على العدالة وحقوق الدفاع ودولة القانون!