قراءة في ديوان البظان (1)
أ.محمدن ولد إشدو
“لَغْنَ” أي الملحون، أو الزجل عند العرب، هو ديوان البظان الذي يحوي ويحفظ ثقافتهم وتراثهم وتاريخهم وحياتهم الاجتماعية. وهو توأم “أَزَوَانْ” (موسيقى البظان) الملاصق له لحد عدم استغناء أحدهما عن الآخر! ومن لا يفقههما فليس من البظان في شيء! وبالتالي لا يعول عليه في إعلاء مجد وعزة الوطن!
و”لغن” فنون! ومن أحسن فنونه ما غني منه؛ وخاصة گِفَانْ الأشوار التي تجمع بين التحدي والتحفز لمبارزة الأقران، وطرافة المقاصد، والجزالة، والإيجاز (لا يتجاوز گاف الشور أربع “تِفِلْواتِنْ” أي أشطار)!
وسوف نتناول في حلقات نماذج من “گِفَان الأشوار” بإذن الله، نبدؤها بـ”انْوَفّلْ” لصدارته في مختلف الجوانب، وأسطوريته؛ فهو في المخيال الشعبي اسم لغول توطن هضبة “الرَّيْجّاطْ” جنوب النعمة، أحب إنسانة تدعى فَاطْمَه لَلِّي واختطفها وعاش معها زمنا إلى أن أنقذها منه إخوتها الشجعان!
ويعتبر “انوفل” أحد الأشوار التليدة التي يطلق عليها جهابذة الفن صفة “زُمْنِيّ”. ويعزف و”يُشَوْهَدُ” في مدارس الفن الثلاث (الحوظ، تگانت، الگبله) وإن كان اسمه في الگبله “انوفر” بالراء بدل اللام حسب ما رويت عن الفنان الكبير الشيخ المختار ولد الميداح رحمه الله! وهو شور يعزف في مختلف “الجوانب”. وإن كان – في نفس الوقت- “ظَهْرًا” رئيسيا في “جانبة لِگْنَيْدِيَّه” التي هو “كَرُّها”!
ولهذا الشور “شاهد” أو “ظَهْرُ شَوْرٍ” (لازمة) من الفصحى هو:
“الخط يبقى زمانا بعد موت كاتبه ** وصاحب الخط يبقى تحت التراب مدفون”!
وله “گِفانُهُ” (جمع گاف) الجميلة ومن أحسنها ما يلي:
يا رَبِّ شاعِرْ يَالمُجيبْ ** وَسَيْتُ في الدنْيا لَـــوْنُ
مَاهُ مَعْگودْ اللهْ اتْجيـــبْ ** الريحْ الحَمْرَ مِن دونُ.
وهذا الگاف قديم. ولعله من گفان مدرسة الحوظ. وفي غنائه في الگبلة طرفة. فقد حضرت حفلات طرب أحيتها فرقة أهل أحمدُّ ولد الميداح بأداء حماسي و”اتْشَوْعيرْ” منقطعي النظير؛ وبما أن من بين الاخوة والأخوات أعضاء تلك الفرقة – الأسرة من هم أشد سمرة كمحمد وعيشه، ومن هم أقل سمرة كلبابه وتكيبر وصباح، فقد كان السمر يغنون الگاف بـ”ماه معگود” (معقود اللون في الحسانية: شديد السمرة) والأقل سمرة يغنونه بـ”ماه مطلوص” (مطلوص اللون بالحسانية: قليل السمرة)! وكل طرف يدعو على أخيه بريح صرصر، رغم ما يعرف عن فئة “إيگّاوِنْ” (المطربين) من كره الفال السيئ.
عادْ اِجينِ سَقْمْ امْرَحَّـــــلْ ** الاَسْقامْ الِّي كانُ دونُ
واِجيني عَادْ اَبْيَظْ واَكْحَلْ ** واِيجِ مانِ عارِفْ لَوْنُ.
ويعزى هذا الگاف الرائع للشيخ شماد ولد امحمد ولد أحمد يوره رحمهما الله.
شاعِرْ فِلْهَوْلْ اَسْوَ نَبْتُ ** لَا دَخْلْ امْعاكْ اَماقُونُ
تَگْبَظْ فَوْگُ تَگْبَظْ تَحْتُ ** تَگْبَظْ عَندُ تَگْبَظْ دُونُ.
وهذا الگاف للشيخ ولد مكيٍّ رحمه الله، ولعله قيل في الفنان الكبير الشيخ ولد اباشه رحمه الله. ومنه سُلِخَ الگاف الذي قيل في الفنانة الكبيرة أبتي بنت اشويخ التي كانت من أحسن من يغني هذا الشور في الگبله هي وأختها النعمة.
أَبَتي شَــــوْرْ امْلَحَّـــــنتُ ** ماهِ لاهَ بَعْدْ اتْــــــــخونُ
اتْجي فَوْگُ وَاتْجي تَحْتُ ** واتْجِي عَندُ واتْجي دونُ.
ولم أعثر له على قائل.
الشُّعْرَ فيهَ سَبْعْ الهَوْلْ ** وابْگابونُ گاصِفْ دونُ
والنِّعْمَ هِيَّ سَبْعْ الهَوْلْ ** والشُّعْرَ لَخْرَ گابـــــونُ.
وهو للمرحوم دداه ولد الشويخ في شقيقته النعمه.
شاعِرْ گالْ انُّ بَعْدْ اِگِـــدّْ ** ذَا الشَّوْرْ اِجيبُ بِافْنونُ
خاطيكُمْ ذاكْ الگايِلْ بَــــعْدْ ** حَدّْ اَلّا يَگْبَظْ مِــن دونُ.
هذا الگاف للشاعر الكبير بابه ولد هدار رحمه الله في مناسبة أهل الخليفة وأهل الشيخ آياه سنة 1980 بگلب الجمل قرب گيوَه.
عَبُّونْ ادْبونُ لو قُرونْ ** الغايَه عَبُّونْ ادْبونُ
وانتِيَّ عَبّونِكْ عَبّونْ ** فَوْگْ ادْبونُ ماهُ دونُ.
يقال إن هذا الگاف للشاعر الكبير بابه ولد هدار – رحمه الله- في إحدى ربات الفن.
نَعْرَفْ لَيْلَه رَيْتْ النَقْصَدْ ** تَــــلْ “ادْبـــونُ” وَللَّ دونُ
لَيْلَه ما نَنساها مَــــــــحَدّْ ** ذاكْ الحَدّْ اِيجِ لِـ “ادْبونُ”.
هذا الگاف لملك الترارزة اعلي ولد محمد لحبيب حسب رواية الشاعر والأديب الثقة أحمدْ ولد الشويخ عن الشاعر والأديب والثقة التاه ولد سيدي ولد محمذ رحمه الله. و”ادْبُونُ” الوارد في الگافين فوق، مكان واسع ومنبسط يقع شرق بلدة “أكفرده” الواقعة 28 كلم جنوب انواكشوط على طريق روصو.
مَجْنونْ الهَوْلْ الّي مَجْعولْ ** اعْلـــيهْ اُلَا يَهْنَ دونُ
آنَ هُــــــوَّ مَجْنونْ الهَــوْلْ ** لَعادْ الهَوْل ابمَجْنونُ.
وهذا الگاف للشاعر والأديب عبد الله سالم ولد المعلّى. وبه أختم هذه القراءة التي أتمنى على الجميع إغناءها وتمحيصها حتى يبلغ المقصود.