ملاحظات جزئية حول قرار الإقامة الجبرية! (ح1)
بقلم الأستاذ محمدٌ ولد إشدو
أصدر فريق التحقيق الخاص بمكافحة الفساد قرارا بتاريخ 11 /5/ 021 يقضي بوضع الرئيس محمد ولد عبد العزيز تحت الإقامة الجبرية خرقا لصريح الدستور والقوانين المحكمة المعمول بها في البلاد. وبما أن قضية اتهام الرئيس محمد ولد عبد العزيز قضية سياسية بحتة تمخضت عنها فتنة المرجعية المشؤومة، وتحركها قوى سياسية واجتماعية نافذة، فإن من الواجب إعلام المواطن الموريتاني بجميع تفاصيلها وأبعادها. وذلك بموجب حقه الثابت في الإعلام، المنصوص في قوانيننا؛ وخاصة المادة 2 من الأمر القانوني رقم 2006/ 017 التي نصت على ما يلي: “يعتبر حق الإعلام وحرية الصحافة بوصفهما من بين روافد حرية التعبير حقوقا ثابتة للمواطن”. وهذه بعض الملاحظات حول ذلك القرار:
أولا: حول ملابسات الجلسة التي صدر عنها القرار
يبدو أن الجلسة التي عقدت يوم التاسع والعشرين من رمضان (أي قبل عيد الفطر بيوم واحد) كانت بطلب من نيابة مأمورة خصم وحكم تسعى لمزيد من التضييق على الرئيس وإذلاله، نكاية بنهجه الوطني وعقابا له على تشبثه بحقوقه المدنية كاملة غير منقوصة، وعلى مؤتمره الصحفي الأخير؛ دون أن تجاهر بذلك، وتريده نتيجة “طبيعية” لسير تحقيق استفزازي (في وقته ومحتواه) يرد فيه الرئيس بتشنج على الاستفزاز فتحين لها الفرصة، أو يبقى متشبثا بمقتضيات المادة 93 من الدستور التي ضاقت بها ذرعا، فيتشنج المحققون ويعتبرون ذلك عرقلة لسير العدالة واحتقارا للقضاء، يقتضي معاقبة المتهم باتخاذ مثل ذلك القرار.
ولكي لا تُفشل هذا السناريو المحكم صراعات جانبية تافهة، بادر فريق التحقيق برفض حضور عميدنا الأستاذ إبراهيم ولد ابتي، الذي حاول للمرة الأولى حضور جلسة التحقيق بدعوى تمثيل طرف مدني ما، فتقبل القرار بغبطة، وانصرف! فبدأ الاستفزاز: “هل تحمل جنسية بلد آخر غير الجنسية الموريتانية”؟ هل هو مجرد استفزاز، أم محاولة جديدة للبحث عن “خيانة عظمى” بعد فشل محاولة جزيرة “تيدره”؟ ثم هل غاب عن علم المحققين أن القانون الموريتاني يبيح ويتيح حمل جنسية بلد آخر وأكثر؟ وأن رئيس الجمهورية وكالة السيد با امبارى (رحمه الله) تقلد منصب الرئاسة وهو يحمل جنسية بلد آخر؟ مهما يكن الأمر، فإن الرئيس لم يستجب للاستفزاز ورد كالعادة بقوله: “أتمسك بمقتضيات المادة 93 من الدستور”.
وبعد تمسكه الثابت المتتالي بمقتضيات المادة 93 من الدستور ردا على مختلف الأسئلة بغض النظر عن طبيعتها الاستفزازية، توقف “التحقيق” حول “الوقائع” المختلقة، وبدأ العمل بالوجه الثاني من الخطة؛ حيث طلب من الرئيس أن يوضح: كيف له أن يمتنع عن الإجابة على أسئلة قضاة التحقيق ويجيب عن نفس الأسئلة – بل يزيد- أمام الصحافة وكامرات الإعلام؟! فرد بهدوء من يعي وجهة محاوره: أتمسك بمقتضيات المادة 93 التي تحميني من المساءلة أمام القضاء. ولا أحتقر القضاء وإن احترامي للمادة 93 وتمسكي بمقتضياتها هو احترام للدستور وللشرعية وللقانون وللقضاء (وكانت المرة الأولى التي يستفيض فيها في الشرح). وهنا سئل: هل لديك حكم قضائي أو دستوري يؤكد أنك في وضعية قانونية، وأنك لا تساءل أمام القضاء العادي؟ فرد بأنه يتمسك بمقتضيات المادة 93 من الدستور التي تخوله ذلك؛ وهي أسمى من جميع ما ذكر!
ولما أحكم الرئيس إغلاق كل المنافذ بأجوبته الشافية، وأفشل مختلف الاحتمالات المبيتة، خلصوا إلى غايتهم دونما بردعة: ألا تعتبر أن الوضعية القانونية التي وضعك فيها قطب التحقيق؛ والمتعلقة بالخضوع للرقابة القضائية والتوقيع ثلاث مرات فقط أمام الضبطية القضائية، أنها وضعية تسمح لك بإعداد دفاعك بطريقة جيدة وفي ظروف المحاكمة العادلة، وأنك لم تستغل هذه الفرصة على الوجه المطلوب والوجه الأحسن، لماذا، وما هو ردك على ذلك؟ وما هو ردك على مبادرة قطب التحقيق في تغيير التدابير القضائية التي تخضع لها؟
انكشف سر الغرض من عقد هذه الجلسة إذن بكل عفوية! فقبل هذه اللحظة لم يأت على لسان الفريق ذكر لمبادرة منه تقضي بتغيير التدابير القضائية، ولم ترد على لسان وكيل الجمهورية الذي يشرف الرئيس باهتمامه الدائم به وحضوره الدائم شخصيا لاستجوابه دون غيره! ولم نطلع على طلب منه بالتماس تغيير تلك التدابير! وإن كنا على علم بما يبيت عن طريق صحافة النيابة التي تسرب عن طريقها ما تريد حول الملف، فقد قال بعضها حرفيا قبل انعقاد الجلسة بوقت: “كشف مصدر خاص لشبكة المراقب أن أسباب استدعاء الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز من طرف قطب التحقيق هو مواجهته ببعض النقاط المتعلقة بمستجدات مسطرة التحقيق واستفساره عن بعض الأمور الهامة، إلا أن شيئا ربما لن يتغير ما دام الرئيس يرفض التعاون مع التحقيق الذي قد يضطر لاتخاذ إجراء جديد ضده”.
يتبع بإذن الله