أطفال «الدواعش»… معضلة إنسانية تنتظر مقاربة دولية موحدة
لا يمثل إعلان فرنسا عن نيتها إعادة 150 طفلاً من أطفال مقاتلي تنظيم داعش، إلا جزءاً من معضلة إنسانية تتنامى في سوريا والعراق، ولا توجد مقاربة دولية واحدة للتعاطي معهم وسط المخاوف من ظهور جيل مكتوم القيد وجيل متطرف آخر في حال بقي هؤلاء في مناطق نفوذ سابقة للمتطرفين
وتتحدث تقديرات سورية عن وجود ما يقارب الألفي طفل بلا هوية، هم أبناء مقاتلي تنظيم داعش، يعيش معظمهم في مخيمات النازحين في الرقة، الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، وبعضهم مجهول الأب، ولا يحملون إلا وثائق غير معترف بها من تنظيم داعش، ويفتقدون إلى أسماء آبائهم الحقيقية؛ ما يعد معضلة أخرى تحول دون تسوية أوضاعهم أو استعادتهم. وفي حين تتجه فرنسا وألمانيا إلى استعادة نحو 250 طفلاً من هؤلاء، بحسب ما أعلنت الدولتان خلال الأشهر والأسابيع الماضية، فإن أطفال المقاتلين السوريين أو العراقيين في «داعش»، لا توجد آفاق لحل مشكلاتهم؛ وهو ما يهدد بظهور جيل من الأطفال مكتوم القيد.
وقالت مصادر في الرقة السورية إن المهاجرين من أعضاء التنظيم كانوا يتزوجون من سوريات في تلك المناطق الخاضعة لتنظيم داعش، بعقود زواج ينظمها القاضي الشرعي للتنظيم، وتغفل تلك العقود الاسم الحقيقي للزوج؛ إذ تكتفي باسم الشهرة المستعار، فلا يُعلم له نسب ولا اسم، لافتة إلى أن المعضلة «تمثلت في أن هؤلاء المقاتلين الذين قُتلوا أو هاجروا، تركوا خلفهم أولاداً مجهولي الهوية ومكتومي القيد، ويواجهون مع أمهاتهم مصيراً مجهولاً».
ولا تقتصر المعاناة على الأطفال من أم سورية، بل تشمل أولاد النساء العراقيات اللواتي أجبرن على الزواج من مقاتلي التنظيم، وأولاد النساء «المهاجرات» إلى مناطق سيطرة التنظيم من مناطق أخرى. وقال المصدر إن هذه المعضلة «بدأ التحذير منها منذ عام 2015، وتضاعفت التحذيرات من جيل من الأطفال (مكتومي القيد) والنساء اللواتي كنّ قد أجبرن على الزواج من مقاتلي (داعش) ومعظمهم من الأجانب ممن تزوجوا ثلاث وأربع نساء». وقال المصدر: إن مقاتلي «داعش» وإثر فقدان ملاذاتهم الآمنة في سوريا «تركوا الأطفال والنساء لمصيرهم»، لافتاً إلى أن الأطفال «سجّلوا في إدارات (داعش) بأسماء وهمية كانت تطلق على مقاتلي التنظيم وقياداته؛ وهو الأمر الذي يشكّل مشكلة للأمهات والأطفال الذين باتوا من دون نسب أو عائلة».
ولا يخفي مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، رامي عبد الرحمن، أن هناك «أعداداً ضخمة» من أطفال مقاتلي «داعش» في سوريا، «يهدد بوجود جيل من مكتومي القيد». وقال إن الأرقام «قد تصل إلى 2500 طفل وأم»، لافتاً إلى أن الأطفال «يحملون وثائق تسجيل ولادة من (داعش)، وهي وثائق غير معترف بها؛ وهو ما يعقد الأمور على هؤلاء». وقال: «المخاطر لا تنحصر فقط في كون هؤلاء سيكونون جيلاً من مكتومي القيد، بل يهدد بأن ينموا في بيئة متشددة، نتيجة فقدانهم للأهلية القانونية والوثائق الرسمية؛ وهو ما يضاعف المخاطر منهم بعد سنوات عندما يكبرون».
وتشير تقديرات «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إلى أن الأطفال من أبناء المقاتلين الأجانب في سوريا موزعون على مناطق سيطرة الأكراد في الشمال، أو في مناطق تواجد قوات النظام، أو لا يزالون مع عائلاتهم في البادية بجيوب مسلحي «داعش» في وسط وشرق وجنوب شرقي سوريا. وأوضح عبد الرحمن، أن معظم أمهات هؤلاء «هن من العراقيات والسوريات»، فضلاً عن أن معظم آبائهم، وخصوصاً أولئك غير السوريين «لم يحملوا أسماء واضحة، فكانت أسماؤهم مستعارة، أو يحملون كنية البلدان التي يتحدرون منها»، علماً بأن الآباء السوريين في تنظيم داعش هم بالأغلب معروفون. وأشار عبد الرحمن إلى أن بعض الزوجات «لم يستطعن في وقت سابق معرفة أسماء أزواجهن الحقيقية؛ وهو ما يحول دون تسجيل الأطفال». وقال: «الآن، ترك هؤلاء الأطفال مع أمهاتهم بلا أوراق ثبوتية، وثمة معضلة في بعض الدول التي لا تريد أن تعيدهم، وهنا نتحدث عن أولئك المقاتلين المعروفين بأسمائهم وليس غير المعروفين».
وحاولت بعض الدول الأوروبية حل جزء من المعضلة، رغم المعلومات عن أن الدول الأوروبية تقترح إعادة الأطفال من دون ذويهم، وهي معضلة إنسانية بالنسبة للأمهات لجهة فصل العائلات عن الأطفال، وبالنسبة للأكراد الذين يسألون عما يفعلونه بعشرات المقاتلين الأجانب الموجودين في السجون. وأعلنت فرنسا أخيراً أنها تعمل من أجل إعادة أطفال تحتجزهم قوات كردية سورية، هم أبناء أشخاص يشتبه بكونهم متشددين فرنسيين، لكنها ستترك أمهاتهم لتحاكمهن السلطات المحلية.
ومثل دول أوروبية أخرى، تواجه فرنسا مشكلة كيفية التعامل مع المتشددين المشتبه بهم وأسرهم الذين يسعون للعودة من مناطق القتال في العراق وسوريا، ورغم انتهاجها سياسة تقضي برفض قبول المقاتلين وأزواجهم، فقد قالت فرنسا، إنه ينبغي لها حسم وضع القُصّر، علماً بأن باريس تخشى إن تُرِكَ هؤلاء الأطفال في سوريا أن يصبحوا متشددين أيضاً في نهاية المطاف. وقال مسؤول فرنسي في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي: «تدخل السلطات الفرنسية الآن مرحلة نشطة في تقييم احتمال إعادة القصر إلى الوطن».
وكانت أسرٌ فرنسية كشفت عن وجود نحو 60 امرأة في سوريا بينهن 40 أُماً معهن نحو 150 قاصراً. والغالبية العظمى من الأطفال دون السادسة من العمر. وبعد تبادل المعلومات مع السلطات الكردية والصليب الأحمر الدولي، حددت باريس مواقع بعضهم في شمال شرقي سوريا الخاضع لسيطرة الأكراد. وقال المسؤولون: إن التحضيرات جارية لإعادة الأطفال على أساس كل حالة على حدة، بمن فيهم من ولدوا في سوريا. وسوف تتوقف عودتهم على موافقة أمهاتهم على فصلهن عن الأطفال.
وقبل فرنسا، أعرب مسؤولون أمنيون في ألمانيا في الصيف الماضي عن استعدادهم لوصول أكثر من مائة رضيع وطفل هم أبناء مواطنين غادروا البلاد للقتال في صفوف «داعش» في العراق وسوريا، وذلك وسط مخاوف من غرس بذور التطرف في عقول الأطفال. ويعتقد أن ما يقرب من ألف شخص تركوا ألمانيا للانضمام إلى تنظيم داعش. ومع تقهقر التنظيم في الشرق الأوسط يعود بعضهم مع أفراد أسرهم في حين تحاول السلطات الألمانية تأمين إطلاق سراح أطفال جرى اعتقال آبائهم وأمهاتهم.
وتقول الحكومة الألمانية، إن لديها أدلة على أن أكثر من 960 شخصاً غادروا ألمانيا إلى سوريا والعراق حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 للقتال في صفوف تنظيم داعش، ويعتقد أن ثلثهم عادوا إلى ألمانيا في حين قتل على الأرجح 150 منهم في المعارك هناك.
وكان وزير العدل البلجيكي، كون جينز، أعلن في العام الماضي أنه يوجد في سوريا والعراق حالياً نحو مائة طفل من الجنسية البلجيكية، أو يقيم أولياؤهم في بلجيكا.
ويتواجد الأطفال في 3 مخيمات للاجئين في مناطق سيطرة الأكراد في الرقة. ويقول مدير مركز الدراسات الكردية، نواف خليل: إن هؤلاء موجودون في مخيمات، بينها مخيما الهول وروج، ويقدم لهم الأكراد المساعدات والدعم النفسي. وقال: إن الأطفال وعائلاتهم يتحدرون من 46 جنسية حول العالم، مشيراً إلى أن هناك 3 أطفال يعيشون من دون أمهاتهم وذويهم؛ وهو ما دفع الإدارة الذاتية الكردية لانتداب 3 نساء يتكفلن برعاية أولئك الأطفال. وأشار إلى أن هناك بعض الأطفال عادوا إلى بلادهم، بينهم عائلة من كازخستان، وآخرون من الشيشان وإندونيسيا، وغيرها من البلدان.
وقال خليل: «المعسكر مفتوح، ويتنقل فيه الأطفال بشكل طبيعي، لكن لا يخرجون منه، ويتم تقديم مساعدات لهم». وتنسحب مشكلة أطفال مقاتلي «داعش» على العراق، حيث تحتجز السلطات العراقية 833 طفلاً من 14 جنسية مختلفة؛ إذ حضت وزارة الخارجية العراقية في الصيف الماضي دول العالم على تسلم أطفال إرهابيين من «داعش» أجانب لديها من غير المدانين أو من الأحداث الذين أتموا محكوميتهم. وقال الناطق باسم الخارجية العراقية، أحمد محجوب: إن بغداد فاتحت سفارات كالآذرية والروسية والألمانية وغيرها، بشأن تسلم أطفال وأحداث انتهت مدة محكومياتهم»، موضحاً أن «طبيعة عملنا كخارجية تتسم بالتدقيق والتمحيص، لعوائل (داعش)… والدائرة القانونية تدير ملف القاصرين». وتقول منظمة «هيومان رايتس ووتش»: إن أكثر من 800 طفل مع ما يزيد على 500 امرأة، جميعهم من الأجانب، محتجزون في السجون العراقية بانتظار المحاكمة بتهمة الانتماء إلى «داعش».